للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طينًا وإن كان أصله منه، وفي حديث عروص الشيطان له في صلاته أنه خنقه حتى وجد برد ريقه على يده ولو كانت ذاته نارًا محرقة لما كان له ريق بارد بل ولا ريق أصلاً.

وقد اختلف في صفتهم فقال أبو يعلى بن الفراء: هم أجسام مؤلفة وأشخاص مركبة يجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة إذ لا يمكن معرفتها على التعيين إلا بالمشاهدة أو بإخبار الله تعالى أو رسوله وكل مفقود، وقول المعتزلة: إنما هم أجسام رقيقة ولرقتهم لا نراهم مردود فإن الرقة ليست بمانعة عن الرؤية، ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها، وقد روى إسحاق في المبتدأ عن عكرمة عن ابن عباس لما خلق الله سوميًا أبا الجن وهو الذي خلق من مارج من نار قال : تمنّ قال: أتمنى أن نرى ولا نرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شابًّا. قال: فأعطي ذلك فهم يرون ولا يرون وإذا ماتوا غيبوا فى الثرى ولا يموت كهلهم حتى يعود شابًّا يعني مثل الصبي ثم يردّ إلى أرذل العمر اهـ.

فخلق الله تعالى في عيون الجن إدراكًا يرون به الإنس ولا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق لهم ذلك الإدراك قال تعالى: ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم﴾ [الأعراف: ٢٧] وهو يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص.

قال ابن عساكر في كتاب الزهادة في طلب الشهادة فيما نقله عنه في الآكام: وممن ترد شهادته ولا تسلم له عدالته من يزعم أنه يرى الجن عيانًا ويدعي أن له منهم إخوانًا، ثم روى بسنده إلى حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى في كتابه الكريم ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم﴾ [الأعراف: ٢٧] وعن الربيع سمعت الشافعي يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلت شهادته لأن الله تعالى يقول: ﴿إنه يراكم﴾ الآية. إلا أن يكون نبيًا.

قال في الفتح: وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من زعم أنه يراهم بعد أن يتصوروا على صورة شيء من الحيوان فلا، وقد تواترت الأخبار بتصورهم في صور شتى فيتصوّرون بصور بني آدم كما أتى الشيطان قريشًا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. وفي صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة. وفي صورة الحيات. ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "إن بالمدينة نفرًا من الجن فإذا رأيتم من هذه الهوام شيئًا فآذنوه ثلاثًا فإن بدا لكم فاقتلوه".

وفي صورة الكلاب. واختلف في ذلك فقيل: هو تخييل فقط ولا قدرة لهم على تغيير خلقتهم والانتقال في الصور، وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات وضربًا من ضروب الأفعال إذا تكلموا بها وفعلوها نقلهم الله تعالى من صورة إلى صورة فيقال: إنهم قادرون على التصوير والتخييل على معنى أنهم قادرون على قول إذا قالوه نقلهم الله من صورة إلى أخرى، وأما تصوير

<<  <  ج: ص:  >  >>