عماد الدين بن كثير يردّ على من زعم من المفسرين وغيرهم أن عوج بن عنق ويقال ابن عناق كان موجودًا من قبل نوح وإلى زمان موسى، ويقولون: كان كافرًا متمرّدًا جبارًا عنيدًا، ويقولون عنق أمه بنت آدم من زنا لأنه كان يأخذ لطوله السمك من قرار البحر ويشويه في عين الشمس، وإنه كان يقول لنوح وهو في السفينة ما هذه القصعة التي بك ويستهزئ به، ويذكرون أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثًا وثلاثين ذراع إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وغيرها من أيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها ثم انها مخالفة للمعقول والمنقول.
أما المعقول: فكيف يسوغ أن الله يهلك ولد نوح لكفره وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ولا يهلك عوج بن عنق وهو أظلم وأطعن على ما ذكروا ولا يرحم منهم أحدًا ويترك هذا الجبار العنيد، الفاجر الشديد، الكافر الشيطان المريد على ما ذكروا.
وأما المنقول فقال الله تعالى: ﴿ثم أغرقنا الآخرين﴾ [الشعراء: ٦٦] وقال: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا﴾ [نوح: ٢٦] ثم هذا الطول الذي ذكروا مخالف لما في الصحيحين عن رسول الله ﷺ أن الله تعالى خلق آدم طوله ستون ذراعًاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وإن هو إلا وحي يوحى أنه لم يزل ينقص حتى الآن أي لم يزل الناس في نقصان طولهم من آدم إلى يوم إخباره وهلم جرًّا إلى يوم القيامة، وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه، وكيف يترك ويصار إلى قول الكذبة الكفرة من أهل الكتاب الذين بدّلوا كتب الله المنزلة وحرّفوها وأوّلوها ووضعوها على غير مواضعها عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وما أظن هذا الخبر عن عوج بن عنق إلاّ اختلاقًا من بعض زنادقتهم وكفارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والله أعلم.
(﴿دأب﴾) في قوله تعالى: ﴿مثل دأب قوم نوح﴾ [غافر: ٣٢] قال مجاهد فيما وصله الفريايى هو (مثل حال). ولأبي ذر وابن عساكر: دأب حال فأسقط لفظ مثل (﴿واتل عليهم نبأ نوح﴾) أي خبره مع قومه (﴿إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم﴾) عظم وشق عليكم (﴿مقامي﴾) أي إقامتي بينكم مدة مديدة ألف سنة إلا خمسين عامًا أو قيامي على الدعوة (﴿وتذكيري﴾) إياكم (﴿بآيات الله﴾) بحججه (إلى قوله ﴿من المسلمين﴾)[يونس: ٧١] أي المنقادين لحكمه، وهذه الآية ثبتت في الفرع وعليها رقم أبي ذر وابن عساكر.
(باب قول الله تعالى): سقط هذا لأبي ذر وابن عساكر (﴿إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر﴾) أي بأن أنذر أي بالإنذار أو بأن قلنا له أنذر (﴿قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم﴾)[نوح: ١] عذاب الآخرة أو الطوفان (إلى آخر السورة) وسقط لأبي ذر من قوله (أن أنذر) إلى قوله ﴿أليم﴾.