جبلان بأواخر الشمال في منقطع أرض الترك منفيان من ورائهما يأجوج ومأجوج، والمعنى أنه وضع بعضه على بعض من الأساس حتى حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضًا (خرجًا) أي (أجرًا) عظيمًا نخرجه من أموالنا ﴿قال﴾ للعملة: (﴿انفخوا﴾) في الأكوار والحديد (﴿حتى إذا جعله﴾) أي المنفوخ فيه (﴿نارًا﴾) كالنار بالإحماء (﴿قال آتوني أفرغ عليه قطرًا﴾) أي (أصبب عليه رصاصًا﴾) بفتح الراء وتكسر ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أصب بموحدة مشددة ولأبي ذر: أصب عليه قطرًا (ويقال الحديد) أي المذاب (ويقال الصفر) بالضم رواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك وهو النحاس.
(وقال ابن عباس)﵄ فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى عكرمة عنه: (النحاس) ورواه من طريق السدي أيضًا قال: القطر النحاس وبناه لهم بالحديد والنحاس، ومن طريق وهب بن منبه قال: شرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقًا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، وحكى الحافظ ابن كثير: أن الخليفة الواثق بعث في دولته بعض أمرائه في جيش لينظروا إلى السد وينعتوه له إذا رجعوا فرأوا بناءه من الحديد والنحاس ورأوا فيه بابًا عظيمًا عليه أقفال عظيمة وبقية اللبن والعمد في برج هناك وذكروا أن عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له وأنه عال منيف شاهق.
(﴿فما اسطاعوا﴾) بحذف التاء حذرًا من تلاقي متقاربين (﴿أن يظهروه﴾) أي أن (يعلوه) بالصعود لارتفاعه وانملاسه واسطاعوا جمع مفرده (استطاع) بالتاء قبل الطاء، ولأبي ذر: اسطاع بحذفها أصله (استفعل من اطعت له) بهمزة مفتوحة وفتح الطاء، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: من طعت بإسقاط الهمزة وضم الطاء وسكون العين. قال العيني: لأنه مر فعل يفعل كنصر ينصر ولكنه أجوف واوي لأنه من الطوع يقال طاع له وطعت له كقال له وقلت له ولما نقل طاع إلى باب الاستفعال صار استطاع على وزن استفعل ثم حذفت التاء للتخفيف بعد نقل حركتها إلى الهمزة فصار أسطاع بفتح الهمزة وسكون السين وأشار إلى هذه بقوله: (فلذلك فتح اسطاع) أي فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة قيل اسطاع (يسطيع) بفتح الهمزة في الماضي وفتح الياء في المستقبل، (و) لكن (قال بعضهم: استطاع يستطيع) بالمثناة الفوقية فيهما وفتح حرف المضارعة في الثاني في الفرع وغيره مما رأيته من الأصول. وقال العيني كابن حجر كالكرماني بضمه فمن فتح فمن الثلاثي ومن ضم فمن الرباعي. (﴿وما استطاعوا له نقبًا﴾) لثخنه وصلابته. وظاهر هذا أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لأحكام بنائه وصلابته وشدته، ولا يعارضه حديث أبي هريرة عن رسول الله ﷺ المروي عند أحمد: أن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه فيجدونه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا إن شاء الله ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس الحديث.