وغاص في جواهرها ووغل في ماهيتها. وقال في الكشاف: هو مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، والخليل المخالّ وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخلط وهو الطريق في الرمل اهـ.
قال في فتوح الغيب قوله تشبه كرامة الخليل بعد قوله مجاز عن اصطفائه إيذان بأن المجاز من باب الاستعارة التمثيلية، واختلف في السبب الذي من أجله ﴿اتخذ الله إبراهيم خليلاً﴾ [النساء: ١٢٥]. فقيل كما ذكره ابن جرير وغيره أنه أصاب الناس أزمة، وكانت الميرة تأتيه من خليل له بمصر فأرسل إبراهيم غلمانه ليمتاروا له منه فقال خليله: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ولكن يريدها للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس من الأزمة والشدة فرجعوا بغير شيء فاجتازوا ببطحاء لينة فقالوا: لو أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة فإنا نستحي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة فملأوا تلك الغرائر ثم أتوا إبراهيم فلما أعلموه ساءه ذلك فغلبته عيناه فنام وكانت امرأته سارة نائمة فاستيقظت وقد ارتفع النهار فقالت: سبحان الله ما جاء الغلمان؟ قالوا: بلى. فقامت إلى الغرائر فأخرجت منها أحسن حوّاري فاختبزت وأطعمت واستيقظ إبراهيم فاشتم رائحة الخبز فقال: من أين لكم هذا؟ فقالت: من خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي الله فسماه الله تعالى خليلاً، وعلى هذا فإطلاق اسم الخلة على الله على سبيل المشاكلة لأن جوابه ﵇ بل من عند خليلي الله في مقابلة قولها من خليلك المصري، وقيل لما أراه الله ملكوت السماوات والأرض وحاج قومه في الله ودعاهم إلى توحيده ومنعهم من عبادة النجوم والشمس والقمر والأوثان وبذل نفسه للإلقاء في النيران وولده للقربان وماله للضيفان اتخذه الله خليلاً. وقيل غير ذلك. وإبراهيم هو ابن آزر واسمه تارح بفوقية وراء مفتوحة آخره حاء مهملة ابن ناحور بنون ومهملة مضمومة ابن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة آخره خاء معجمة ابن راغو بغين معجمة ابن فالخ بفاء ولام مفتوحة بعدها خاء معجمة ابن عيبر، ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة ابن شالخ بمعجمتين ابن أرفخشد بن سام بن نوح. قال في الفتح: لا يختلف جمهور أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك إلا في النطق ببعض هذه الأسماء. نعم ساق ابن حبان في أوّل تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ اهـ.
وقال الثعلبي: كان بين مولد إبراهيم ﵇ وبين الطوفان ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة وذلك بعد خلق آدم ﵇ بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة. وقال ابن هشام: لم يكن بين نوح وإبراهيم ﵈ إلا هود وصالح، وكان بين إبراهيم وهود ستمائة سنة وثلاثون سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة ومائة وثلاث وأربعون سنة.
(وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق بالإضافة (﴿إن إبراهيم كان أمة﴾) جامعًا للخصال المحمودة. قال ابن هانئ: