كاسيًا لحديث سعيد عند أبي داود وصححه ابن حبان مرفوعًا:"إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها"(غرلاً) بضم الغين المعجمة وإسكان الراء أي غير مختونين والغرلة ما يقطعه الخاتن وهي القلفة (ثم قرأ): ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده﴾ [الأنبياء: ١٠٤] أي نوجده بعينه بعد إعدامه مرة أخرى أو نعيد تركيب أجزائه بعد تفريقها من غير إعدام، والأول أوجه لأنه تعالى شبه الإعادة بالابتداء والابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم فوجب أن تكون الإعادة كذلك ﴿وعدًا علينا إنّا كنا فاعلين﴾ [الأنبياء: ١٠٤]. الإعادة والبعث. وقوله:(وعدًا) نصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المتقدمة فناصبه مضمر أي وعدنا ذلك وعدًا. قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يرد إليه حتى الأقلف وقال أبو الوفاء بن عقيل: حشفة الأقلف موفاة بالقلفة فتكون أرق فلما أزالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله.
وفي شرح المشكاة، فإن قلت: سياق الآية في إثبات الحشر والنشر لأن المعنى نوجدكم عن العدم ما أوجدناكم أولاً عن العدم فكيف يشتهد بها للمعنى المذكور أي من كونهم غرلاً؟ وأجاب بأن سياق الآية وعبارتها على إثبات الحشر وإشارتها على المعنى المراد من الحديث فهو من باب الإدماج.
(وأول من يكسى) من الأنبياء (يوم القيامة إبراهيم) بعد حشر الناس كلهم عراة أو بعضهم كاسيًا أو بعد خروجهم من قبورهم بأثوابهم التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يُكسى من الجنة إبراهيم ﵇ وزاد البيهقي مرفوعًا من حديث ابن عباس: (وأول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر). قيل: والحكمة في كون الخليل أول من يكسى لكونه جرّد حين ألقي في النار ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسو هنا أفضليته على نبينا ﷺ لأن حلة نبينا أعلى وأكمل فتجبر بنفاستها ما فات من الأولية، وكم لنبينا ﷺ من فضائل مختصة به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن سوى خصوصية الشفاعة العظمى لكفى.
(وإن أناسًا) بهمزة مضمومة ولأبي ذر وابن عساكر وإن ناسًا (من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال) وهي جهة النار (فأقول أصحابي أصحابي) أي هؤلاء أصحابي، ولأبي ذر وابن عساكر: أصيحابي أصيحابي مصغرين إشارة إلى قلة عددهم والتكرير للتأكيد (فيقال: إنهم لم) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني لمن (يزالوا مرتدين على أعقابهم) بالكفر (مند فارقتهم) قيل المراد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين ممن ارتد بعد موته ﷺ ولا يقدح ذلك في الصحابة المشهورين، فإن أصحابه وإن شاع استعماله عرفًا فيمن لازمه من المهاجرين والأنصار شاع استعماله في كل تبعه أو أدرك حضرته ووفد عليه ولو مرة أو المراد بالارتداد إساءة السيرة والرجوع عما كانوا عليه من الإخلاص وصدق النية (فأقول كما قال العبد الصالح) عيسى ابن