قال:(حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة ﵁) أنه (قال: لم يكذب إبراهيم ﵊ لم يصرح برفعه في رواية حماد بن زيد هذه إلى رسول الله ﷺ على المعتمد الموافق لرواية النسفيّ وكريمة كما رواه عبد الرزاق عن معمر، والأصل رفعه كما في رواية جرير بن حازم السابقة ورواية هشام بن حسان عند النسائي والبزار وابن حبان.
ورواه البخاري عن الأعرج عن أبي هريرة في البيوع وفي النكاح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فصرح برفعه أيضًا في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر ولفظه قال: قال رسول الله ﷺ (لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات) بسكون الذال عند ابن الحطيئة عن أبي ذر كما في اليونينية. وقال في المصابيح بفتح الذال، وفي فتح الباري عن أبي البقاء أنه الجيد لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة تقول كذب كذبة كما تقول ركع ركعة ولو كان صفة لسكن في الجمع، وليس هذا من الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله حاشا وكلا، وإنما أطلق عليه الكذب تجوزًا وهو من باب المعاريض المحتملة للأمرين لمقصد شرعي ديني كما جاء في الحديث المروي عند البخاري في الأدب المفرد من طريق قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن الحصين أن في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب، ورواه أيضًا البيهقي في الشعب والطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وهو عند ابن السني من طريق الفضل بن سهل مرفوعًا. قال البيهقي ﵀: والموقوف هو الصحيح، وروي أيضًا من حديث علي مرفوعًا وسنده ضعيف جدًّا، وعند ابن أبي حاتم عن أبي سعيد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله أي جادل ودافع، وفي حديث ابن عباس عند أحمد: والله إن جادل بهن إلا عن دين الله، وقال ابن عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب عن إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقًا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع وعلى كل تقدير فلم يصدر من إبراهيم ﵊ إطلاق الكذب على ذلك أي حيث يقول في حديث الشفاعة: وإني كنت كذبت ثلاث كذبات إلا في حال شدّة الخوف لعلو مقامه وإلاّ فالكذب في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعًا لأعظمهما، وقد اتفق الفقهاء فيما لو طلب ظالم وديعة عند إنسان ليأخذها غصبًا وجب على المودع عنده أن يكذب بمثل أنه لا يعلم موضعها بل يحلف على ذلك، ولما كان ما صدر من الخليل ﵇ مفهوم ظاهره خلاف باطنه أشفق أن يؤاخذ به لعلو حاله فإن الذي كان يليق بمرتبته في النبوة والخلة أن يصدع بالحق ويصرح بالأمر كيفما كان ولكنه رخص له فقبل الرخصة، ولذا يقول عندما يسأل في الشفاعة: إنما كنت خليلاً من وراء وراء ويستفاد منه أن الخلة لم تكن بكمالها إلا لمن صح له في ذلك اليوم المقام المحمود، وأما قول الإمام فخر الدين: لا ينبغي أن ينقل هذا الحديث لأن فيه نسبة الكذب إلى إبراهيم، وقول بعضهم له: فكيف يكذب