فقالت الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليه عشرًا (﴿وقال موسى﴾) لما أراد الانطلاق إلى الجبل (﴿لأخيه هارون اخلفني في قومي﴾) كن خليفتي فيهم (﴿وأصلح﴾) أي ارفق بهم (﴿ولا تتبع سبيل المفسدين﴾) لا تطع من عصى الله ولا توافقه على أمره (﴿ولما جاء موسى لميقاتنا﴾) لوقتنا الذي وقتناه. وقال الطيبي قيل لا بد هنا من تقدير مضاف أي لآخر ميقاتنا أو لانقضاء ميقاتنا (﴿وكلمه ربه﴾) من غير واسطة (﴿قال: رب أرني أنظر إليك﴾) أرني نفسك بأن تمكنني من رؤيتك وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة لأن طلب المستحيل من الأنبياء محال، لا سيما ممن اصطفاه الله تعالى برسالته وخصه بكرامته وشرفه بتكليمه فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسى جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجز فرجع النفي في قوله (﴿قال لن تراني﴾) إلى الإنجاز.
فإن قلت: إن أرني يكفي في الطلب لأنه تعالى إذا أراه نفسه لا بد أن ينظر إليه فما فائدة إردافه بقوله أنظر إليك؟ أجيب: بأن فائدته التوكيد والكشف التام فإنه لما أردفه به أفاد طلب رفع المانع وكشف الحجاب والتمكن من الرؤية بحيث لا يختلف عنه النظر البتة ونحوه قولك نظرت بعيني وقبضت بيدي (إلى قوله ﴿وأنا أول المؤمنين﴾)[الأعراف: ١٤٢ - ١٤٣] قيل: معناه أنا أوّل من آمن بأنك لا ترى في الدنيا وسقط لأبي ذر من قوله: ﴿وأتممناها﴾ إلى آخر ﴿لن تراني﴾ (يقال دكه): يريد تفسير قوله تعالى ﴿فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] أي (زلزله) وقال غيره: جعله مدكوكًا مفتتًا (فدكتا) بفتح الكاف وفي اليونينية بكسرها ولعله سبق قلم في قوله تعالى: ﴿وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة﴾ [الحاقة: ١٤] أي (فدككن) بالجمع لأن الجبال جمع والأرض في حكم الجمع لكنه (جعل الجبال كالواحدة) فلذلك قيل فدكتا بالتثنية (كما قال الله ﷿: ﴿إن السماوات والأرض كانتا رتقًا﴾)[الأنبياء: ٣٠] بالتثنية في كانتا (ولم يقل كن رتقًا) بالجمع على القياس بل جعل كل واحدة منهما كواحدة (ملتصقتين ﴿أشربوا﴾) في قوله تعالى: ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل﴾ [البقرة: ٩٣](ثوب مشرب) أي مصبوغ يعني اختلط حب العجل بقلوبهم كما يختلط الصبغ بالثوب. (قال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: (﴿انبجست﴾) أي (انفجرت) وفي قوله تعالى: (﴿وإذ نتقنا الجبل﴾)[الأعراف: ١٧١] أي (رفعنا). الجبل فوقهم روي أن موسى ﵇ لما رجع إلى قومه وقد أتاهم بالتوراة فأبوا أن يقبلوها ويعملوا بها، فأمر الله تعالى جبريل ﵇ أن يقلع جبلاً قدر عسكرهم وكان فرسخًا في فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل وكانوا ستمائة ألف وقال: إن لم تقبلوها وإلاً ألقيت عليكم هذا الجبل.