وتشديد الميم (وربما قال فهو ثمه) بزيادة هاء السكت الساكنة أي هناك (وأخذ) بالواو موسى (حوتا) مملوحًا (فجعله في مكتل) كما أمر (ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى أتيا) ولأبي ذر حتى إذا أتيا (الصخرة) التي عند ساحل مجمع البحرين ويقال ثمة عين تسمى بعين الحياة "وضعا رؤوسهما فرقد موسى واضطرب الحوت" أي تحرك لأنه أصابه من ماء عين الحياة (فخرج) من المكتل (فسقط في البحر فاتخذ سبيله) طريقه (في البحر سربًا) مسلكًا (فأمسك الله)﷿(عن الحوت جرية الماء فصار) عليه (مثل الطاق) وفي نسخة في مثل الطاق (فقال: هكذا مثل الطاق) أي مثل عقد البناء قال الكرماني: معجزة لموسى والخضر (فانطلقا) موسى وفتاه (يمشيان بقية ليلتهما ويومهما) بنصب اليوم (حتى إذا كان من الغد قال) موسى (لفتاه) يوشع: (آتنا غداءنا) طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا (ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله) تعالى (قال له فتاه) يوشع: (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أن أخبرك بحياته وانتضاب الماء مثل الطاق وغيره (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) لها بهر العقل من عظيم القدرة (واتخذ سبيله في البحر) سبيلاً (عجبًا) مفعول ثان لاتخذ وهو كونه كالسرب (فكان للحوت) أي لدخول الحوت في الماء (سربًا) مسلكًا (ولهما) لموسى وفتاه (عجبًا) فإنه جمد الماء أو صار صخرًا (قال له موسى ذلك) الذي ذكرته (ما كنا نبغي فارتدّا على آثارهما) يقصان (قصصًا) أي (رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار مسيرهما اتباعًا (حتى انتهيا إلى الصخرة) فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجى بثوب) أي مغطى كله به (فسلم موسى) أي عليه (فردّ عليه) الخضر السلام (فقال): أي الخضر (وأنى) وكيف (بأرضك السلام) وفي رواية وهل بأرضي من سلام قال الخضر: من أنت؟ (قال أنا موسى. قال) الخضر: (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم) موسى بني إسرائيل قال ما شأنك قال (أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا) مفعول ثان لتعلمني ولم يرد أن يعلمه شيئًا من أمر الدين إذ الأنبياء لا يجعلون ما يتعلق بدينهم الذي تعبدت به أمتهم (قال يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) جميعه (وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه) جميعه.
وهذا التقدير واجب دافع لمن استدلّ بقوله: إني على علم الخ بأن نبينا ﷺ اختص بجمع الشريعة، والحقيقة ولم يكن لغيره من الأنبياء إلا أحدهما لأنه يلزم منه خلو بعض أولي العزم غير نبينا من الحقيقة وإخلاء الخضر عن علم الشريعة ولا يخفى ما فيه، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في سورة الكهف من التفسير، ولا ريب أن العالم بالعلم الخاص لا يكون أعلم ممن له العلم العام وهو حكم الشرائع والتكاليف فإن ضرورة الناس تدعوهم إلى ذلك.
(قال) موسى للخضر (هل أتبعك؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبرًا) لأن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا)؟ أي: وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك. وخبرًا تمييز أو مصدر لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره (إلى قوله أمرًا) أي ولا أعصى لك أمرًا وفي اليونينية إمرًا