سليمان نعم العبد﴾) المخصوص بالمدح محذوف أي نعم العبد سليمان (﴿إنه أوّاب﴾)[ص: ٣٠] أي (الراجع المنيب) وقال السدي: هو المسبح (وقوله)﷿(﴿هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي﴾)[ص: ٣٥] لتكون معجزة لي مناسبة لحالي أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني كما كان من قصة الجسد الذي ألقي على كرسيه، والصحيح كما قاله ابن كثير أنه سأل ملكًا لا يكون لأحد من البشر مثله كما هو ظاهر سياق الآية.
(وقوله) تعالى: (﴿واتبعوا ما تتلوا الشياطين﴾) أي: واتبعوا كتب السحر التي تقرؤها أو تتبعها الشياطين من الجن أو الإنس أو منهما (﴿على ملك سليمان﴾)[البقرة: ١٠٢] أي عهده وتتلو حكاية حال ماضية قيل كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب ويلقولها إلى الكهنة وهم يدونونها ويعلمون الناس، وفشا ذلك في عهد سليمان ﵇ حتى قيل: إن الجن تعلم الغيب، وإن ملك سليمان تم بهذا العلم وإنه يسخر به الإنس والجن والريح له.
(﴿ولسليمان الريح﴾) سخرناها له (﴿غدوّها ورواحها شهر﴾) أي جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك أي كانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين (﴿وأسلنا له عين القطر﴾) أي (أذبنا له عين الحديد) وقال غير واحد القطر النحاس أساله له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينًا وكان ذلك باليمن وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان وإنما أسيلت له ثلاثة أيام (﴿ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه﴾) مصدر مضاف لفاعله أي بأمره ﴿ومن يزغ﴾ يعدل ﴿منهم عن أمرنا﴾ الذي أمرناه به من طاعة سليمان ﴿نذقه من عذاب السعير﴾ في الآخرة وقيل في الدنيا فقد قيل إن الله تعالى وكل بهم ملكًا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه أحرقته ﴿يعملون له ما شاء من محاريب﴾ [سبأ: ١٣].
(قال مجاهد): فيما وصله عبد بن حميد (بنيان) سور (ما دون القصور). وقال أبو عبيدة: المحاريب جمع محراب وهو مقدم كل بيت، وقيل: المساجد وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قامة رجل وكمله سليمان فبناه بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بأنواع الجواهر الثمينة، وفصص حيطانه باللآلي واليواقيت وسائر الجواهر وبسط أرضه بلواح الفيروزج، فلم يكن يومئذ أبهى ولا أنور منه كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدًا ولم يزل على ما بناه سليمان حتى غزاه يختنصر وأخذ ما كان في سقفه وحيطانه مما ذكر إلى دار مملكته من أرض العراق.
(﴿وتماثيل﴾) قيل كانوا ينحتون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليرها الناس فيزدادوا عبادة وتحريم التصاوير شرع مجدد، وقيل إنهم عملوا أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما رواه ابن أبي حاتم عن كعب في خبر طويل عجيب في صفة الكرسي. (﴿وجفان﴾) أي وصحاف (﴿كالجواب﴾) أي (﴿كالحياض للإبل﴾) قيل: كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون