وبه قال:(حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن أبي رجاء) بالجيم عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (قال: سمعت عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب (قال: سمعت عليًا ﵁ يقول: سمعت النبي ﷺ يقول):
(خير نسائها) أي خير نساء أهل الدنيا في زمانها (مريم ابنة عمران) وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم: يوسف أحسن إخوته، وقد صرحوا بمنعه لأن أفعل التفضيل إذ أضيف وقصد به الزيادة على من أضيف له اشترط أن يكون منهم مثل: زيد أفضل الناس فإن لم يكن منهم فلا يجوز كما في يوسف أحسن إخوته لخروجه عنهم بإضافتهم إليه.
وقال الزركشي: في قوله هنا خير فيه وجهان. أحدهما: أن يجعل خير بمعنى الخير لا على جهة التفضيل، وثانيهما: وهو الأصح أن الضمير راجع إلى الدنيا كما في زيد أفضل أهل الدنيا، ويجوز أن يكون على تقدير مضاف محذوف أي خير نساء زمانها مريم فيعود الضمير على مريم، وإنما جاز أن يرجع الضمير للدنيا وإن لم يجر لها ذكر لأنه يفسره الحال والمشاهدة. وقد رواه النسائي من حديث ابن عباس بلفظ: أفضل نساء أهل الجنة، وحينئذٍ فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم، وفي رواية خير نساء العالمين وهو كقوله تعالى: ﴿واصطفاك على نساء العالمين﴾ [آل عمران: ٤٢] وظاهره: أنها أفضل من جميع النساء، وقول من قال على عالمي زمانها ترك للظاهر.
قال القرطبي: خص الله تعالى مريم بما لم يؤته أحدًا من النساء، وذلك أن روح القدس كلمها وطهرها ونفخ في درعها، وليس هذا لأحد من النساء وصدقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بشرت كما سأل زكريا ﵊ عن الآية، ولذلك سماها الله تعالى صديقة فقال: ﴿وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين﴾ [التحريم: ١٢] فشهد لها بالصديقية والتصديق والقنوت، ويحتمل أن يكون المراد كما قال الكرماني نساء بني إسرائيل أو من فيه مضمرة كما قال القاضي عياض:
(وخير نسائها) أي هذه الأمة (خديجة) أم المؤمنين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل خديجة ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في المناقب.