بهذه الشريعة المحمدية ولا يحكم بشريعته التي أنزلت عليه في أوان رسالته. (فيكسر الصليب) الفاء تفصيلية لقولها "حكمًا عدلاً". (ويقتل الخنزير) أي يبطل دين النصرانية بكسر الصليب حقيقة، أو يبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه. واستُدل به على تحريم اقتناء الخنزير وأكله ونجاسته؛ لأن الشيء المنتفع به لا يجوز إتلافه. لكن في الطبراني الأوسط من طريق أبي صالح عن أبي هريرة:"فيكسر الصليب ويقتل الخنزير والقرد" وإسناده لا بأس به. وحينئذ فلا يصحّ الاستدلال به على نجاسة عين الخنزير لأن القرد ليس بنجس اتفاقًا. (ويضع الجزية) من أهل الكتاب لأنه لا يقبل إلا الإسلام ولعدم احتياج الناس إلى المال لما تلقيه الأرض من بركاتها كما قال: (ويفيض المال) بفتح الياء: يكثر (حتى لا يقبله أحد) وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا محمد ﷺ هو المبين للنسخ بهذا، فعدم قبولها هو من هذه الشريعة لكنه مقيد بنزول عيسى.
ولأبي ذرّ عن الحموي والمستملي:"ويضع الحرب" بالحاء المهملة والراء الساكنة والموحدة بدل الجزية. (حتى تكون السجدة الواحدة خير) بالرفع. ولأبي ذرّ والأصيلي:"خيرًا" بالنصب خبر "كان". (من الدنيا وما فيها) و"حتى" الأولى متعلقة بقوله: "ويفيض المال" والثانية غاية لمفهوم قوله: "فيكسر الصليب … الخ" والمعنى أنهم لا يتقربون إلى الله بالتصدّق بالمال بل بالعبادة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به، وإلا فمعلوم أن السجدة الواحدة دائمًا خير من الدنيا وما فيها.
(ثم يقول أبو هريرة) بالإسناد السابق، مستدلاًّ على نزول عيسى في آخر الزمان تصديقًا للحديث:(واقرؤوا إن شئتم: ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به﴾) بعيسى (قبل موته) أي وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمانه فتكون الملة واحدة وهي ملّة الإسلام. وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد صحيح. وقيل: المعنى: ليس من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند المعاينة قبل خروج روحه بعيسى وأنه عبد الله وابن أَمَتِهِ، ولكن لا ينفعه الإيمان في تلك الحالة. وظاهر القرآن عمومه في كل كتابيّ يهوديّ أو نصرانيّ في زمن نزول عيسى وقبله.
فإن قلت: ما الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء؟ أجيب: للردّ على اليهود حيث زعموا أنهم قتلوه فبيّن الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم. (﴿ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا﴾) أنه قد بلغهم رسالة ربه ومقرًّا بالعبودية على نفسه، وكل نبيّ شاهد على أمته.
وبه قال:(حدّثنا ابن بكير) بضم الموحدة مصغرًا؛ هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي البصري، قال:(حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين الفهمي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن نافع) أبي محمد بن عباس بالموحدة (مولى أبي قتادة الأنصاري) للملازمة