أو أنهم إذا لم يقيموا الدين لا يسمع لهم، وهذا الذي أنكره معاوية على ابن عمر، وقد صح من حديث أن هريرة عند المؤلّف كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى عن النبي ﷺ قال:"لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" ولا تناقض بين الحديثين لأن خروج هذا القحطاني إنما يكون هذا لم تقم قريش الدين فيدال عليهم في آخر الزمان واستحقاق قريش الخلافة لا يمنع وجودها في غيرهم، فحديث عبد الله في خروج القحطاني حكاية عن الواقع وحديث معاوية في الاستحقاق وهو مقيد بإقامة الدين ومن ثم لما استخف الخلفاء بأمر الدين ضعف أمرهم وتلاشت أحوالهم حتى لم يبق لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها.
وقول الكرماني، فإن قلت: فما قولك في زماننا حيث ليس الحكومة لقريش؟ قلت: في بلاد المغرب الخلافة فيهم وكذا في مصر خليفة اعترضه العيني بأنه لم يكن في المغرب خليفة وليس في مصر إلا الاسم وليس له حل ولا ربط ثم قال: ولئن سلمنا صحة ما قاله فيلزم منه تعداد الخلافة ولا يجوز إلا خليفة واحد لأن الشارع أمر ببيعة الإمام والوفاء ببيعته ثم من نازعه يضرب عنقه.
هذا الحديث أخرجه المؤلف أيضًا في الأحكام والنسائي في التفسير.
وبه قال:(حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد قال: سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي يحدث (عن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(لا يزال هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش) يستحقونها (ما بقي منهم اثنان) ولمسلم: ما بقي في الناس اثنان. قال النووي: فيه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمان الصحابة ومن بعدهم ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة، وقد بيّن ﷺ أن الحكم مستمر إلى آخر الزمان ما بقي في الناس اثنان وقد ظهر ما قاله صلوات الله وسلامه عليه من زمنه وإلى الآن وإن كان المتغلبون من غير قريش ملكوا البلاد وقهروا العباد لكنهم معترفون بأن الخلافة في قريش فاسم الخلافة باق فيهم، فالمراد من الحديث مجرد التسمية بالخلافة لا الاستقلال بالحكم أو أن قوله لا يزال الخ … خبر بمعنى الأمر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام ومسلم في المغازي.