فإن قلت: لِمَ عدل عن تشبيه وجهه الشريف بالقمر إلى تشبيهه بقطعة قمر؟ أجاب الشيخ سراج الدين البلقيني بأن وجه العدول أن القمر فيه قطعة يظهر فيها سواد وهو المسمى بالكلف، فلو شبه بالمجموع لدخلت هذه القطعة في المشبه به، وغرضه إنما هو التشبيه على أكمل الوجوه فلذلك قال: كأنه قطعة قمر يريد القطعة الساطعة الإشراق الخالية من شوائب الكدر انتهى.
وقيل: إن الاشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين وفيه يظهر السرور كما قالت عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه، فناسب أن يشبه ببعض القمر، لكن قد أخرج الطبراني حديث كعب بن مالك من طرق في بعضها كأنه دارة قمر. وأما حديث جبير بن مطعم عند الطبراني أيضًا التفت إلينا النبي ﷺ بوجه مثل شقة القمر فهو محمول على صفته عند الالتفات.
(وكنا نعرف ذلك منه) أي استنارة وجهه إذا سر وجزاء قوله فلما سلمت محذوف أي قال رسول الله ﷺ: "أبشرًا" كما سيأتي إن شاء الله تعالى في غزوة تبوك.
وقد ساقه هنا مختصرًا جدًّا، وأخرجه في مواضع من الوصايا والجهاد ووفود الأنصار ومواضع من التفسير والأحكام والمغازي مطولاً ومختصرًا، ومسلم في التوبة والطلاق والنسائي.
وبه قال:(حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ بتشديد التحتية المدني نزيل الاسكندرية حليف بني زهرة (عن عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو بفتح العين أيضًا واسمه ميسرة مولى المطلب (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة)﵁(أن رسول الله ﷺ قال):
(بُعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا) بفتح القاف الطبقة من الناس مجتمعين في عصر واحد، وقيل سمي قرنًا لأنه يقرن أمة بأمة وعالمًا بعالم وهو مصدر قرنت وجعل اسمًا للوقت أو لأهله، وقيل القرن ثمانون سنة، وقيل أربعون، وقيل مائة. (حتى كنت من القرن الذي كنت فيه) ولأبي ذر: منه. وحتى غاية لقوله بعثت، والمراد بالبعث تقلبه في أصلاب الآباء أبًا فأبًا قرنًا فقرنًا حتى ظهر في القرن الذي وجد فيه، أي: انتقلت أوّلاً من صلب ولد إسماعيل، ثم من كنانة، ثم من قريش، ثم من بني هاشم، فالفاء في قوله: فقرنًا للترتيب في الفضل على سبيل الترقي من الآباء من الأبعد إلى الاقرب فالأقرب كما في قولهم: خذ الأفضل فالأكمل وأعمل الأحسن فالأجمل.