للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(خير أمتي) أهل (قرني) بفتح القاف والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ويطلق على مدة من الزمان واختلف في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين، والمراد بهم هنا الصحابة (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين، وهذا صريح في أن الصحابة أفضل من التابعين وأن التابعين أفضل من تابعي التابعين، وهذا مذهب الجمهور. وذهب ابن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة وأن قوله : خير الناس قرني، ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن بين الفاضل والمفضول. وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود.

وقد روى أبو أمامة أنه قال: "طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي". وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: كنت جالسًا عند النبي فقال: "أتدرون أي الخلق أفضل إيمانًا؟ " قلنا: الملائكة قال: "وحق لهم بل غيرهم" قلنا: الأنبياء. قال: "وحق لهم بل غيرهم" ثم قال : "أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانًا" لكن روى أحمد والدارمي بإسناد حسن وصححه الحاكم قال أبو عبيدة: يا رسول الله هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني".

والحق ما عليه الجمهور لأن الصحبة لا يعدلها شيء وحديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا دلالة فيه على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وإسناد حديث أبي داود السابق ضعيف فلا حجة فيه، وكلام ابن عبد البر ليس على إطلاقه في حق جميع الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية، والذي يظهر أن محل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة أما من قاتل معه أو في زمانه بأمره أو أنفق شيبًا من ماله بسببه أو سبق إليه بالهجرة والنصرة، وضبط الشرع المتلقى عنه وبلغه لمن بعده فلا يعده في الفضل أحد بعده كائنًا من كان.

(وقال عمران) بن الحصين بالسند السابق (فلا أدري أذكر) (بعد قرنه قرنين) ولأبي ذر: مرتين بالميم (أو ثلاثًا) وفي نسخة أو ثلاثة، وفي مسلم عن عائشة قال رجل: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: "القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث" فلم يشك كأكثر طرق الحديث.

(ثم إن بعدكم) بالكاف (قومًا) بالنصب اسم إن وزاد ابن حجر هنا مما لم أره في الفرع ولا أصله ولبعضهم قوم بالرفع، وقال: يحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في المنصوب، وقال العيني: الوجه على تقدير صحة الرواية أن يكون بفعل محذوف تقديره ثم إن بعدكم يجيء قوم (يشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة من غير تحميل أو يؤدونها من

<<  <  ج: ص:  >  >>