جعله على قضاء الكوفة كما أخرجه أحمد (إلى ابن الزبير) عبد الله (في) مسألة (الجد) وميراثه (فقال): ابن الزبير مجيبًا لابن عتبة (أما الذي قال رسول الله ﷺ) فيه.
(لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً لاتخذته) فإنه (أنزله أبًا) أي أنزل الجد منزلة الأب في استحقاقه الميراث، وفيه أنه أفتاهم بمثل قول أبي بكر. وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب ميراث الجد مع الأخوة من كتاب الفرائض (يعني) ابن الزبير بالذي أنزل الجد أبًا (أبا بكر) الصديق، والغرض منه هنا قوله: لو كنت متخذًا خليلاً، وقد أشعر هذا بأن درجة الخلة أرفع من درجة المحبة، وقد ثبتت محبته لجماعة من أصحابه كأبي بكر وفاطمة، ولا يعكر عليه اتصاف إبراهيم بالخلة ومحمد بالمحبة فتكون المحبة أرفع من رتبة الخلة إذ محمد ﵊ قد ثبتت له الخلة أيضًا كما في حديث ابن مسعود عند مسلم: وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً.
وأما ما ذكره القاضي عياض في الشفاء من الاستدلال لتفضيل مقام المحبة على الخلة بأن الخليل قال: لا تخزين والحبيب قيل له: يوم لا يخزي الله النبي إلى غير ذلك مما ذكره ففيه نظر، لأن مقتضى الفرق بين الشيئين أن يكونا في حدّ ذاتهما يعني باعتبار مدلول خليل وحبيب فما ذكره يقتضي تفضيل ذات محمد ﷺ على ذات إبراهيم ﵊ من غير نظر إلى ما جعله علة معنوية في ذلك من وصف المحبة والخلة، فالحق أن الخلة أعلى وأكمل وأفضل من المحبة، ثمّ إن قوله ﵊:"لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي" يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم.
وأما ما أخرجه أبو الحسن الحرب في فوائده من حديث أبيّ بن كعب قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول: "إنه لم يكن نبي إلاّ وقد اتخذ من أمته خليلاً وإن خليلي أبو بكر فإن الله ﷿ اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً". فهو معارض بحديث جندب عند مسلم أنه سمع النبي ﷺ يقول قبل موته بخمس:"إني أبرأ إلى الله ﷿ أن يكون لي منكم خليل". والذي في الصحيح لا يقاومه غيره، وعلى تقدير ثبوت حديث أبيّ ﵁ فيمكن الجمع بينهما بأنه إنما برئ من ذلك تواضعًا لربه وإعظامًا له ثم أذن الله له فيه في ذلك اليوم لما رأى من تشوّقه إليه وإكرامًا لأن بكر ﵁ بذلك وحينئذ فلا تنافي بين الخبرين. قاله في الفتح.
وهذا الحديث من أفراده، وفي بعض النسخ هنا وهو ثابت في اليونينية مرقوم عليه علامة السقوط لأبي ذر.
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.