الصحابة وسبهم فليس له في فيء المسلمين حق، ونوزع بآية الحشر ﴿والذين جاؤوا من بعدهم﴾ [الحشر: ١٠] الآية. وقال من غاظ أصحاب محمد فهو كافر. قال الله تعالى: ﴿ليغيظ بهم الكفار﴾ [الفتح: ٢٧]. وروي حديث:"من يسب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً". وقال المولى سعد الدين التفتازاني: إن سبهم والطعن فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر كقذف عائشة ﵂ وإلاّ فبدعة وفسق، وقد قال ﷺ"الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".
(فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا) زاد البرقاني في المصافحة عن طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم (ما بلغ) من الفضيلة والثواب (مدّ أحدهم) من الطعام الذي أنفقه (ولا نصيفه) بفتح النون وكسر الصاد المهملة بوزن رغيف النصف وفيه أربع لغات نصف بكسر النون وضمها وفتحها ونصيف بزيادة تحتية أي نصف المدّ وذلك لما يقارنه من مزيد الإخلاص وصدق النية وكمال النفس.
وقال الطيبي: ويمكن أن يقال فضيلتهم بحسب فضيلة إنفاقهم وعظم موقعها كما قال تعالى: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح﴾ [الحديد: ١٠] أي قبل فتح مكة وهذا في الإنفاق فكيف بمجاهدتهم وبذلهم أرواحهم ومهجهم وقد أورد في الكواكب سؤالاً فقال: فإن قلت: لمن الخطاب في قوله: "لا تسبوا أصحابي" والصحابة هم الحاضرون؟ وأجاب: بأنه لغيرهم من المسلمين المفروضين في العقل جعل من سيوجد كالموجود ووجودهم المترقب كالحاضر، وتعقبه في الفتح بوقوع التصريح في نفس الحديث كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد حيث كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك باتفاق، وقرر أن قوله: فلو أنفق أحدكم الخ فيه إشعار بأن المراد بقوله أولاً أصحابي أصحاب مخصوصون، وإلاّ فالخطاب كان أولاً للصحابة وقال: لو أن أحدكم أنفق فنهى بعض من أدرك النبي ﷺ، وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي ﷺ ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب أولى، وتعقبه في العمدة بأن الحديث الذي فيه قصة خالد لا يدل على أنه المخاطب بذلك فإن الخطاب لجماعة، ولئن سلمنا أنه المخاطب فلا نسلم إنه كان إذ ذاك صحابيًّا بالاتفاق إذ يحتاج إلى دليل ولا يظهر ذلك إلاّ بالتاريخ اهـ. وليس في النسخة التي عندي من الانتقاض جواب عن ذلك.
(تابعه) أي تابع شعبة بن الحجاج المذكور (جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد بلفظ: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد فقال رسول الله ﷺ: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي" وهذا ظاهر في أن المخاطب خالد كما قال الحافظ. أما كونه إذ ذاك مسلمًا فينظر. (و) تابع شعبة أيضًا (عبد الله بن داود) بن