(باب) حكم (ما يقع من النجاسات) أي وقوع النجاسات (في السمن والماء. وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله ابن وهب في جامعه عن يونس عنه (لا بأس بالماء) أي لا حرج في استعماله في كل حالة فهو محكوم بطهارته (ما لم يغيره) بكسر الياء فعل ومفعول والفاعل قوله (طعم) أي من شيء نجس، (أو ريح أو لون) منه.
فإن قلت: كيف ساغ جعل أحد الأوصاف الثلاثة مغيرًا على صيغة الفاعل، والمغير إنما هو الشيء النجس المخالط للماء. أجيب: بأن المغير في الحقيقة هو الماء، ولكن تغييره لما كان لم يعلم إلا من جهة أحد أوصافه الثلاثة صار هو المغير فهو من باب ذكر السبب وإرادة المسبب، ومقتضى قول الزهري أنه لا فرق بين القليل والكثير، وإليه ذهب جماعة من العلماء، وتعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور له بأنه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفًا أنه يجوز له التطهير به وهو مستبشع، ومذهب الشافعي وأحمد التفريق بالقلّتين فما كان دونهما تنجس بملاقاة النجاسة، وإن لم يظهر فيه تغير لمفهوم حديث القلّتين إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث صححه ابن حبان وغيره، وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد صحيح فإنه لا ينجس، وهو المراد بقوله لم يحمل الخبث أي يدفع النجس ولا يقبله وهو مخصص لمنطوق حديث الماء لا ينجسه شيء، وإنما لم يخرج المؤلف حديث القلتين للاختلاف الواقع في إسناده، لكن رواته ثقات وصححه جماعة من الأئمة إلا أن مقدار القلتين من الحديث لم يثبت، وحينئذ فيكون مجملاً، لكن الظاهر أن الشارع وإنما ترك تحديدهما توسعًا وإلا فليس بخاف أنه ﵊ ما خاطب أصحابه إلا بما يفهمون، وحينئذ فينتفي الإجمال لكن لعدم التحديد وقع بين السلف في مقدارهما خلف، واعتبره الشافعي بخمس قرب من قرب الحجاز احتياطًا، وقالت الحنفية: إذا اختلطت النجاسة بالماء تنجس إلا أن يكون كثيرًا وهو الذي إذا حرك أحد جانبيه لم يتحرك الآخر، وقال المالكية: ليس للماء الذي تحلّه النجاسة قدر معلوم، ولكنه متى تغير أحد أوصافه الثلاثة تنجس قليلاً كان أو كثيرًا فلو تغير الماء كثيرًا بحيث يسلبه الاسم بطاهر يستغنى عنه ضرّ وإلا فلا.
(وقال حماد) بتشديد الميم ابن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة مما وصله عبد الرزاق في مصنفه (لا بأس) أي لا حرج (بريش الميتة) من مأكول وغيره إذا لاقى الماء لأنه لا يغيره أو أنه طاهر مطلقًا وهو مذهب الحنفية والمالكية، وقال الشافعية: نجس. (وقال الزهري) محمد بن مسلم (في عظام الموتى نحو الفيل وغيره) مما لم يؤكل (أدركت ناسًا) كثيرين (من سلف العلماء يمتشطون بها) أي بعظام الموتى بأن يصنعوا منها مشطًا ويستعملوها (ويدهنون) بتشديد الدال (فيها) أي في عظام الموتى بأن يصفعوا منها آنية يجعلون فيها الدهن (لا يرون به بأسًا) أي حرجًا فلو كان عندهم نجسًا ما استعملوه امتشاطًا وادّهانًا، وحينئذ فإذا وقع عظم الفيل في الماء لا ينجسه بناء على عدم القول بنجاسته، وهو مذهب أبي حنيفة لأنه لا تحله الحياة عنده، ومذهب الشافعي أنه نجس لأنه تحلّه الحياة