للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يصب. قال: واستدلّ بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرًا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جسّ عليه بل قال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. قال: وأين ذنب التخلف من ذنب الجس؟ قال في الفتح: وليس ما استدلّ به بواضح لأنه يقتضي أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب قد جلد قدامة بن مظعون الحد لما شرب الخمر وهو بدري وإنما لم يعاقب حاطبًا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشًا خشية على أهله وولده بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلاً.

قال كعب: (فمضيت حين ذكروهما لي) أي الرجلين (ونهى رسول الله المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه) بالرفع أي خصوصًا الثلاثة كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة قال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: أي منادى والثلاثة صفة له وإنما أوجبوا ذلك لأنه في الأصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص وكل ما نقل من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب (فاجتتبنا الناس) بفتح الموحدة (وتغيروا لنا حتى تنكرت) أي تغيرت (في نفسي الأرض فما هي) الأرض (التي أعرف) لتوحشها عليّ، وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى يجده في نفسه. قال السهيلي: وإنما اشتدّ الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدا … على الجهاد ما بقينا أبدا

فكان تخلفهم في هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم انتهى. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه (فلبثنا على ذلك خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا (فأما صاحباي) مرارة وهلال (فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم) أي أقواهم (وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف) أي أدور (في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا) إنما لم يجزم بتحريك شفتيه بالسلام لأنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل (ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر) بالسين المهملة والقاف أي أنظر إليه في خفية (فإذا أقبلت على صلاتي أقبل) (إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس) بفتح الجيم وسكون الفاء أي من إعراضهم (مشيت حتى تسوّرت) أي علوت (جدار حائط أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري أي بستانه (وهو ابن عمي) لأنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب (وأحب الناس إليّ

<<  <  ج: ص:  >  >>