للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكرب (فقالت فاطمة) ابنته : واكرب أباه) بألف الندبة والهاء الساكنة للوقف والمراد بالكرب ما كان يجده من شدة الموت، فقد كان فيما يصيب جسده الشريف من الآلام كالبشر ليتضاعف أجره، وقول الزركشي: إن في قولها هذا نظرًا، وقد رواه مبارك بن فضالة واكرباه تعقب بأنه لا يدفع رواية البخاري مع صحتها بمثل هذا لا سيما مع قوله (فقال) (لها):

(ليس على أبيك كرب بعد) هذا (اليوم) إذ هو ذاهب إلى حضرة الكرامة وهو يدل على أنها قالت: واكرب أباه كما لا يخفى (فلما مات) صلوات الله وسلامه عليه (قالت: يا أبتاه) أصله يا أبي والفوقية بدل من التحتية والألف للندبة والهاء للسكت (أجاب ربا دعاه) إلى حضرته القدسية (يا أبتاه من جنة الفردوس) بفتح ميم من مبتدأ والخبر قوله (مأواه) منزله (يا أبتاه إلى جبريل ننعاه) بإلى الجارة وننعاه بنونين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وزاد الطبراني في معجمه الكبير والدارمي في مسنده يا أبتاه من ربه ما أدناه (فلما دفن) (قالت فاطمة : يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا) بالمثناة الفوقية المفتوحة والحاء المهملة الساكنة والمثلثة المضمومة (على رسول الله التراب) سكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حال يقول: لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قهرنا على فعل ذلك امتثالاً لأمره وليس قولها: واكرب أباه من النياحة لأنه أقرها عليه.

وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في الجنائز وقد عاشت فاطمة بعده ستة أشهر فما ضحكت تلك المدة وحق لها ذلك، وروي أنها قالت:

اغبر آفاق السماء وكوّرت … شمس النهار وأظلم العصران

والأرض من بعد النبي كئيبة … أسفا عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها … ولتبكه مضر وكل يماني

قال السهيلي: وقد كان موته خطبًا كالحًا ورزءًا لأهل الإسلام فادحًا كادت تهدّ له الجبال وترجف الأرض وتكسف النيرات لانقطاع خبر السماء مع ما آذن به موته عليه الصلاة من إقبال الفتن السحم والحوادث الدهم والكرب المدلهمة، فلولا ما أنزل الله من السكينة على المؤمنين، وأسرج في قلوبهم من نور اليقين وشرح صدورهم من فهم كتابه المبين لانقصمت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم الجزع عن تدبير الأمور، ولقد كان من قدم المدينة يومئذٍ من الناس إذا أشرفوا عليها سمعوا لأهلها ضجيجًا، وللبكاء في أرجائها عجيجًا، وحق ذلك لهم ولمن بعدهم، كما روي عن أبي ذؤيب الهذلي قال: بلغنا أن رسول الله عليل فاستشعرنا حزنًا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها ولا يطلع نورها، فظللت أقاسي طولها حتى إذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بي هاتف وهو يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>