للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذين أنعمت عليهم﴾ [الفاتحة: ٦ - ٧] ممن تقدم وصفهم بالهداية والاستقامة غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ولا صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق، وأكد الكلام بلا ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين وهما طريقتا اليهود والنصارى، ومن أهل العربية من زعم أن "لا" في قوله: ﴿ولا الضالين﴾ زائدة. والصحيح ما سبق من أنها لتأكيد النفي لئلا يتوهم عطف الضالين على ﴿الذين أنعمت عليهم﴾ وللفرق بين الطريقين ليتجنب كل منهما، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم، ولذا كان الغضب لليهود والضلال للنصارى، لأن من علم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لم يهتدوا إلى طريقه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الرسول الحق ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، وأخص أوصاف النصارى الضلال، وقد روى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم أن النبي قال: ﴿المغضوب عليهم﴾ اليهود و ﴿الضالين﴾ النصارى، والمراد بالغضب هنا الانتقام وليس المراد به تغيرًا يحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام إذ هو محال على الله تعالى فالمراد الغاية لا الابتداء.

٤٤٧٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ فَقُولُوا: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مصغرًا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة أن رسول الله قال):

(إذا قال الإمام) في الصلاة: (﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ فقولوا: آمين) بالمد والقصر لغتان، ومعناها استجب فهي اسم فعل بني على الفتح، وقيل اسم من أسماء الله تعالى التقدير: يا أمين، وضعف بأنه لو كان كذلك لكان مبنيًا على الضم لأنه منادى مفرد معرفة، ولأن أسماء الله تعالى توقيفية، ووجه الفارسي قول من جعله اسمًا له تعالى على معنى أن فيه ضميرًا يعود عليه تعالى لأنه اسم فعل (فمن وافق قوله) بآمين (قول الملائكة) بها (غفر له) أي للقائل منكم (ما تقدم من ذنبه) المتقدم كله فمن بيانية لا تبعيضية، وظاهره يشمل الصغائر والكبائر، والحق أنه عام خص منه ما يتعلق بحقوق الناس فلا يغفر بالتأمن للأدلة فيه، لكنه شامل للكبائر إلا أن يدعي خروجها بدليل آخر، وزاد الجرجاني في أماليه في آخر هذا الحديث "وما تأخر". وعن عكرمة مما رواه عبد الرزاق قال: "صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإن وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد". وقد سبق مزيد لهذا في باب جهر الإمام بالتأمين من كتاب الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>