الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه، وبذلك خرجا من الاستعارة إلى التمثيل كما قاله القاضي كالزمخشري.
قال الطيبي: لأن الاستعارة أن يذكر أحد طرفي التشبيه ويراد به الطرف الآخر وهنا الفجر هو المشبه، والخيط الأبيض هو المشبه به ولا يقال بقي الأسود على الاستعارة لترك المشبه لأنه لما كان في الكلام ما يدل عليه فكأنه ملفوظ.
وقال المحقق الكافيحي: تحقيق الكلام في هذا يحتاج إلى تحقيق الفرق بين الكلام التشبيهي والكلام المشتمل على الاستعارة، فالتشبيهي هو الذي يذكر فيه المشبه لفظًا نحو: زيد أسد، أو تقديرًا نحو أسد في مقام الإخبار عن زيد، وأما الكلام الذي يتضمن الاستعارة: فهو الذي يجعل خلوًّا عن ذكر المشبه صالحًا لأن يراد به المشبه به لولا القرينة المانعة عن إرادته، وإذا علم هذا فقوله: ﴿حتى يتبين لكم﴾ إلى آخره فيه مقصدان.
أحدهما: بيان أنه من قبيل التشبيه عند أهل البيان لا من قبيل الاستعارة لما فيه من ذكر المشبه والمشبه به وهما الفجر والخيط الأبيض وغبش الليل، والخيط الأسود على ما مرّ.
الثاني: تحقيق أنه من قبيل الاستعارة لا من باب التشبيه استدلالًا عليه بنص الكتاب وتمسكًا بالسنة وبشهادة فحوى الخطاب.
أما النص؛ فقوله تعالى: ﴿من الفجر﴾ بيان للخيط الأبيض ومعلوم عندك بالضرورة أن البيان مع المبين متحد بالذات مختلف بالاعتبار وإنما يتصور هذا المعنى المجازي على سبيل الاستعارة وإلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وليس بمشترك بينهما.
وأما السنة، فقد علم منها أن المراد بياض النهار لا الخيط الأبيض حيث قال ﵊ فيما يأتي:"إنك لعريض القفا بل هو سواد الليل وبياض النهار". وأما قولهم الاستعارة يجب فيها أن يترك ذكر المشبه احترازًا عن فوات المقصود وتبرّيًا عن عود الأمر على موضوعه بالنقص والإبطال، ولئلا يكون الأمر كلا أمر فهو مؤوّل بما لا يذكر المشبه بحيث ينبئ عن التشبيه، فيكون المراد رفع الإيجاب الكلي فيكون أعم من عموم السلب.
وأما فحوى الخطاب فلأن المقام مقام المبالغة والاتحاد حتى اشتبه المراد على بعض الأذهان لا مقام التغاير والتفاوت ومدار الاستعارة حيثما كانت إنما هو على قصد المبالغة ودعوى الاتحاد كما أن مدار التشبيه إنما هو على قصد التغاير والتفاوت والعمدة في الفرق بينهما كمال التمييز بين المقامين بإعطاء كل مقام حقه، ثم إن المختار في نحو زيد أسد هو التفصيل فتارة يكون استعارة بحسب مقتضى المقام، وأخرى يكون تشبيعًا بحسبه أيضًا فيكون هذا جميعًا بين القولين المختلفين.
قال: فعلم من هذا ضعف قول من قال إنه من باب الاستعارة على الإطلاق كما علم منه عدم متانة قول من قال: إنه من باب التشبيه على الإطلاق انتهى.