الجلدة التي يكون فيها الجنين وهي المشيمة. ونقل العيني أن القاضي عياضًا أشار إلى أن جميع الأنبياء يشاركون عيسى ﵊ في ذلك. قال القرطبي: وهو قول مجاهد وقد طعن الزمخشري في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال: إن صح فمعناه إن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما معصومان وكذلك كل من كان في صفتهما لقوله تعالى ﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾ [الحجر: ٤٠] واستهلاله صارخًا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها … يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخًا وعياطًا اهـ.
قال المولى سعد الدين: طعن أوّلًا في الحديث بمجرّد أنه لم يوافق هواه وإلاّ فأي امتناع من أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما ترى وتسمع ولا يكون ذلك في جميع الأوقات حتى يلزم امتلاء الدنيا بالصراخ ولا تلك المسة للإغواء، وكفى بصحة هذا الحديث رواية التفات وتصحيح الشيخين له من غير قدح من غيرهما، وقال غيره: الحمل على طمع الشيطان في الإغواء صرف للكلام عن ظاهره وتكذيب لظاهر الخبر مع أنه لا مانع في العقل منه، وكيف تكون المحافظة عنده على قول ابن الرومي أولى من رعاية ظاهر كتاب الله تعالى وسنّة رسوله ﷺ، وهو هذيان ما أنزل الله به من سلطان.
وقال في الانتصاف: الحديث مدوّن في الصحاح فلا يعطله الميل إلى ترهات الفلاسفة والانتصار بقول ابن الرومي سوء أدب يجب أن يجتنب عنه. وقال الطيبي قوله: ما من مولود إلا والشيطان يمسه كقوله تعالى: ﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم﴾ [الحج: ٤] في أن الواو داخلة بين الصفة والموصوف لتأكد اللصوق فتفيد الحصر مع التأكيد فإذن لا معنى لقوله كل من كان في صفتهما ولا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة من دون الأنبياء. وأما قوله تعالى: ﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾ [الحجر: ٤٠] فجوابه أي بعد أن يمكنه الله تعالى من المس مع أن الله تعالى يعصمهم من الإغواء، وأما الشعر فهو من باب حسن التعليل فلا يصلح للاستشهاد.
(ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا) بالواو ولأبي ذر اقرؤوا (إن شئتم ﴿وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم﴾) وهذا فيه شيء من حيث إن سياق الآية يدل على أن دعاء حنة أم مريم بإعاذتها وذريتها من الشيطان المفسر في الحديث بأن يعصما من مس الشيطان عند ولادتهما متأخر عن وضعها مريم، ولم أر من نبه على هذا والذي يظهر لي أن تكون حنة علمت أنوثة مريم قبل تمام وضعها عند بروزها إلى ما يعلم منه ذلك فقالت حينئذٍ إني وضعتها أنثى وإني أعيذها فاستجيب لها، ثم تكامل وضعها فأراد الشيطان التمكن من مريم فمنعه الله تعالى منها ببركة دعاء أمها والتعبير بالبعض عن الكل سائغ شائع وليس في الآية دليل على أنه تعالى استجاب دعاءها بل