أصله بنون لكنه على خلاف القياس لتغير مفرده، وأما على قول من يقول كل جمع مؤنث إلا جمع السلامة المذكر فإما لتأويله بالقبيلة وإما لأنه جاء على خلاف القياس (يغتسلون) حال كونهم (عراة) حال كونهم (ينظر بعضهم إلى بعض) لكونه كان جائزًا في شرعهم وإلا لما أقرّهم موسى على ذلك أو كان حرامًا عندهم، لكنهم كانوا يتساهلون في ذلك وهذا الثاني هو الظاهر لأن الأوّل لا ينهض أن يكون دليلاً لجواز مخالفتهم له في ذلك، ويؤيده قول القرطبي: كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك معاندة للشرع ومخالفة لموسى ﵊، وهذا من جملة عتوّهم وقلة مبالاتهم باتباع شرعه.
(وكان موسى) زاد الأصيلي ﷺ(يغتسل وحده) يختار الخلوة تنزهًا واستحبابًا وحياء ومروءة أو لحرمة التعري (فقالوا) أي بنو إسرائيل (والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر) بالمد وتخفيف الراء كآدم أو على وزن فعل أي عظيم الخصيتين أي منتفخهما، (فذهب مرة) حال كونه (يغتسل فوضع ثوبه على حجر) قال سعيد بن جبير: هو الحجر الذي كان يحمله معه في الأسفار فيتفجر منه الماء، (ففرّ الحجر بثوبه فخرج) وللكشميهني والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر فجمع (موسى) أي ذهب يجري جريًا عاليًا (في أثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة، وفي بعد الأصول بفتحهما. قال في القاموس: خرج في أثره وإثره بعده حال كونه (يقول) ردّ أو أعطني (ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر) مرتين ونصب ثوب بفعل محذوف كما قررناه. ويحتمل أن يكون مرفوعًا بمبتدأ محذوف تقديره هذا ثوبي، وعلى هذا الثاني المعنى استعظام كونه يأخذ ثوبه فعامله معاملة من لا يعلم كونه ثوبه كي يرجع عن فعله ويرد، وقوله ثوبي يا حجر الثانية ثابتة للأربعة، وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل
لفعله فعله إذ المتحرك يمكن أن يسمع ويجيب ولغير الأربعة ثوبي حجر، (حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى)﵊، وفيه ردّ على القول بأن ستر العورة كان واجبًا وفيه إباحة النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية إلى ذلك من مداواة أو براءة مما رمي به من العيوب كالبرص وغيره، لكن الأوّل أظهر ومجرد تستر موسى لا يدل على وجوبه لما تقرر في الأصول أن الفعل لا يدل بمجرده على الوجوب، وليس في الحديث أن موسى صلوات الله وسلامه عليه أمرهم بالتستر ولا أنكر عليهم التكشّف.
وأما إباحة النظر إلى العورة للبراءة مما رمي به من العيوب، فإنما هو حيث يترتب على الفعل حكم كفسخ النكاح.
وأما قصة موسى ﵊ فليس فيها أمر شرعي ملزم يترتب على ذلك، فلولا إباحة النظر إلى العورة لما أمكنهم موسى ﵊ من ذلك ولا خرج مارًّا على مجالسهم وهو كذلك.
وأما اغتساله خاليًا فكان يأخذ في حق نفسه بالأكمل والأفضل، ويدل على الإباحة ما وقع لنبينا ﷺ وقت بناء الكعبة من جعل إزاره على كتفه بإشارة العباس عليه بذلك ليكون أرفق به في نقل الحجارة، ولولا إباحته لما فعله لكنه ألزم بالأكمل والأفضل لعلوّ مرتبته ﷺ.