(فقال) ليس (أبو بكر: إنك) يا زيد (رجل شاب) أشار إلى نشاطه وقوّته فيما يطلب منه وبعده عن النسيان (عاقل) تعي المراد (ولا نتهمك) بكذب ولا نسيان والذي لا يتهم تركن النفس إليه وسقطت الواو لأبي ذر (كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ) أي فهو أكثر ممارسة له من غيره فجمع هذه الخصوصيات الأربعة فيه يدل على أنه أولى بذلك ممن لم تجتمع فيه (فتتبع القرآن فاجمعه) وقد كان القرآن كله كتب في العهد النبوي لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور قال زيد: (فوالله لو كلفني) أي أبو بكر (نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن) قال ذلك خوفًا من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه (قلت) للعمرين (كيف تفعلان شيئًا لم يفعله النبي) ولأبي ذر رسول الله (ﷺ؟ فقال) لي (أبو بكر: هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر) لما في ذلك من المصلحة العامة (فقمت فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه) مما عندي وعند غيري (من الرقاع) بكسر الراء جمع رقعة من أديم أو ورق أو نحوهما (والأكتاف) بالمثناة الفوقية جمع كتف عظم عريض في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه (والعسب) بضم العين والسين المهملتين آخره موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل يكشطون خوصه ويكتبون في طرفه العريض (وصدور الرجال) الذين جمعوا القرآن وحفظوه كاملاً في حياته ﷺ كأبيِّ بن كعب ومعاذ بن جبل فيكون ما في الرقاع والأكتاف وغيرهما تقريرًا على تقرير (حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري) هو ابن ثابت بن الفاكه الخطمي ذو الشهادتين (لم أجدهما) أي الآيتين (مع أحد غيره) كذا بالنصب على كشط في الفرع كأصله وفي فرع آخر غيره بالجر أي لم أجدهما مع غير خزيمة مكتوبتين فالمراد بالنفي نفي وجودهما مكتوبتين لا نفي كونهما محفوظتين.
وعند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله ﷺ(﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم﴾) إلى آخر السورة. فقال عثمان: وأنا أشهد فأين ترى أن نجعلهما. قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن.
وعن أبي العالية عن أبي بن كعب عند عبد الله ابن الإمام أنهم جمعوا القرآن في المصاحف في خلافة أبي بكر، وكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال لهم أبي بن كعب: إن رسول الله ﷺ أقرأني بعدها آيتين ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم﴾ إلى ﴿وهو رب العرش العظيم﴾ [التوبة: ١٢٨ - ١٢٩].
وعند أحمد قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين ﴿لقد جاءكم رسول﴾ إلى عمر بن الخطاب فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري والله إني أشهد لسمعتهما من رسول الله ﷺ ووعيتهما وحفظتهما فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتهما من رسول الله ﷺ ﴿لقد جاءكم رسول من