(﴿جفاء﴾) قال أبو عمرو بن العلاء (أجفأت القدر) ولأبي ذر يقال أجفأت القدر (إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك يميز الحق من الباطل) وذلك أن هذا الكلام ضربه للحق وأهله الشامل للقرآن وغيره والباطل وحزبه فقوله: ﴿أنزل من السماء ماء﴾ مثل للقرآن والأودية مثل للقولب أي أنزل القرآن فاحتملت منه القلوب على قدر اليقين فالقلب الذي يأخذ منه ما ينتفع به فيحفظه ويتدبره تظهر عليه ثمرته ولا يخفى أن بين القلوب في ذلك تفاوتًا عظيمًا وقوله: ﴿وأما الزبد﴾ فهو مثل الباطل في قلة نفعه وسرعة زواله.
(﴿المهاد﴾) في قوله: ﴿ومأواهم جهنم وبئس المهاد﴾ [الرعد: ١٨] هو (الفراش) وهذا ساقط لأبي ذر ثابت لغيره.
(يدرؤون) في قوله: (﴿ويدرؤون﴾)[الرعد: ٢٢] أي (يدفعون) السيئة بمقابلتها بالحسنة وهذا وصف سيدنا رسول الله ﷺ في التوراة فيندرج تحته الدفع بالحسن من الكلام والوصل في مقابلة قطع الأرحام وغيرهما من أخلاق الكرام وتغيير منكرات أفعال اللئام (درأته عني) أي (دفعته) وسقط لغير أبي ذر عني.
(﴿سلام عليكم﴾) يريد قوله تعالى: ﴿والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم﴾ [الرعد: ٢٣](أي يقولون سلام عليكم) فأضمر القول ها هنا لأن في الكلام دليلاً عليه والقول المضمر حال من فاعل يدخلون أي يدخلون قائلين سلام عليكم بشارة بدوام السلامة.
(﴿وإليه متاب﴾)[الرعد: ٣٥] أي (توبتي). ومرجعي فيثيبني على المشاق أو إليه أتوب عن سالف خطيئتي ولأبي ذر والمتاب إليه توبتي.
وقوله:(﴿أفلم ييأس﴾)[الرعد: ٣١] أي (لم) ولأبي ذر فلم (يتبين) وبها قرأ عليّ وابن عباس وغيرهما وردّه الفرّاء بأنه لم يسمع يئست بمعنى علمت وأجيب: بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ويدل على ذلك قراءة عليّ وغيره كما مر وقد قال القاسم بن معن وهو من ثقات الكوفيين: هي لغة هوازن وقال ابن الكلبي: هي لغة حيّ من النخع ومنه قول رباح بن عدي:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه … وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وقول سحيم الرياحي:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني … ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
والمعنى أفلم يعلم المؤمنون أنه لو تعلقت مشيئة الله تعالى على وجه الإلجاء بإيمان الناس جميعًا لآمنوا.
(﴿قارعة﴾) أي (داهية) تقرعهم وتقلقلهم.
(﴿فأمليت﴾) أي (أطلت) للذين كفروا المدة بتأخير العقوبة (من الملي) بفتح الميم وكسر اللام