هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (قوله: ﴿لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم﴾) أي إلا مصحوبين بالإذن فهي في موضع الحال أو إلا بسبب الإذن لكم فأسقط باء السبب وقال القاضي كالزمخشري إلا وقت أن يؤذن لكم ورده أبو حيان بأن النحاة نصوا على أن المصدرية لا تقع موقع الظرف لا يجوز آتيك أن يصيح الديك وإن جاز ذلك في المصدر الصريح نحو آتيك صياح الديك (﴿إلى طعام﴾) متعلق بيؤذن لأنه بمعنى إلا أن تدعوا إلى طعام (﴿غير ناظرين إناه﴾) نصب على الحال فعند الزمخشري العامل فيه يؤذن وعند غيره مقدر أي ادخلوا غير ناظرين إدراكه أو وقت نضجه والمعنى لا ترقبوا الطعام ذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه قال ابن كثير وهذا دليل على تحريم التطفيل وقد صنف الخطيب البغدادي كتابًا في ذم الطفيليين ذكر فيه من أخبارهم ما يطول إيراده وأمال حمزة والكسائي أناه لأنه مصدر أنى الطعام إذا أدرك (﴿ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا﴾) تفرقوا واخرجوا من منزله ولا تمكثوا والآية إما تقديم أي لا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم أولًا والثاني أولى لأن الأصل عدم التقديم وحينئذ فالإذن مشروط بكونه إلى طعام فلو أذن لأحد أن يدخل بيوته لغير الطعام أو لبث بعد الطعام لحاجة لا يجوز لكنا نقول الآية خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله ﷺ فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه فهي مخصوصة بهم وبأمثالهم فيجوز ولا يشترط التصريح بالإذن بل يكفي العلم بالرضا كما يشعر به قوله إلا أن يؤذن لكم حيث لم يبين الفاعل مع قوله أو صديقكم (﴿ولا مستأنسين لحديث﴾) نصب عطفًا على غير أي لا تدخلوها غير ناظرين ولا مستأنسين أو حال مقدرة أي لا تدخلوا هاجمين ولا مستأنسين أو جر عطفًا على ناظرين أي غير ناظرين وغير مستأنسين واللام في لحديث للعلة أي لأجل أن يحدث بعضكم بعضًا والمعنى ولا طالبين الأنس للحديث وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلًا فنهوا عنه (﴿إن ذلكم﴾) الانتظار والاستئناس (﴿كان يؤذي النبي﴾) لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإشغاله فيما لا يعنيه (﴿فيستحيي منكم﴾) أي من إخراجكم فهو من تقدير المضاف بدليل قوله: (﴿والله لا يستحيي من الحق﴾) أي أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء ولهذا نهاكم وزجركم عنه قال في الكشاف وهذا أدب أدّب الله به الثقلاء وقال السمرقندي في الآية حفظ الأدب وتعليم الرجل إذا كان ضيفًا لا يجعل نفسه ثقيلًا بل إذا كل ينبغي أن يخرج (﴿وإذا سألتموهن متاعًا﴾) حاجة (فاسألوهن) المتاع (﴿من وراء حجاب﴾) أي ستر (﴿ذلكم﴾) أي الذي شرعته لكم من الحجاب (﴿أطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾) من الريب لأن العين روزنة القلب فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب فهو عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذٍ أظهر وهذه آية الحجاب وهي مما وافق تنزيلها قول عمر كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (﴿وما كان لكم﴾) وما صح لكم (﴿أن تؤذوا رسول الله﴾) أن