وبقية المباحث سبقت أوّل الكتاب (قال ورقة: نعم لم يأت رجل بما جئت به) من الوحي (إلا أُوذي) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة وفي بدء الوحي إلا عُودِيَ (وإن يدركني) بالجزم بإن الشرطية (يومك) فاعل يدركني أي يوم انتشار نبوّتك (حيًّا أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا مؤزرًا) قومًا بليغًا صفة لنصر المنصوب على المصدرية (ثم لم ينشب ورقة) لم يلبث (أن توفي وفتر الوحي) أي احتبس (فترة حتى حزن رسول الله ﷺ) وللحموي النبي (ﷺ).
زاد في التعبير من طريق معمر عن الزهري فيما بلغنا حزنًا غدًا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا فيسكن لذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدًا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك. وهذه الزيادة خاصة برواية معمر والقائل فيما بلغنا الزهري وليس موصولًا. نعم يحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور وسقط قوله فيما بلغنا عند ابن مردويه في تفسيره من طريق محمد بن كثير عن معمر.
قال الحافظ ابن حجر ﵀: والأوّل هو المعتمد، وقوله غدًا بالغين المعجمة من الذهاب غدوة أو بالعين المهملة من العدوة وهو الذهاب بسرعة وأما إرادته ﵊ إلقاء نفسه من رؤوس شواهق الجبال فحزنًا على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة وحمله القاضي عياض على أنه لما أخرجه من تكذيب من بلغه كقوله تعالى: ﴿لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا﴾ [الكهف: ٦] أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه فخشي أن يكون عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه ولم يرد بعد شرع عن ذلك فيعترض به.
وأما ما روى ابن إسحاق عن بعضهم أن النبي ﷺ قال وذكر جواره بحراء قال: فجاءني وأنا نائم فقال: اقرأ وذكر نحو حديث عائشة ﵂ في غطه له وإقرائه ﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق: ١]. قال: فانصرف عني وهببت من نومي كأنما صوّرت في قلبي ولم يكن أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، ثم قلت لا تحدّث عني قريش بهذا أبدًا لأعمدنّ إلى حالق من الجبل فلأطرحنّ نفسي منه فلأقتلنّها. فأجاب عنه القاضي بأنه إنما كان قبل لقائه جبريل وقيل إعلام الله له بالنبوّة وإظهاره واصطفائه بالرسالة. نعم خرّج الطبري من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب أن ذلك بعد لقاء جبريل فذكر نحو حديث الباب وفيه فقال: يا محمد أنت رسول الله حقًّا. قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل أي علوه. وأجيب: بأن ذلك لضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوّة وخوفًا مما يحصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعًا كما يطلب الرجل إلى أخيه من غمٍّ يناله في العاجل ما يكون فيه زواله عنه ولو أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلًا.