ذلك إن كان نسيانه عن أمر ديني كالجهاد (وقول الله تعالى) مخاطبًا لنبيه ﷺ(﴿سنقرئك فلا تنسى﴾) أي سنعلمك القرآن حتى لا تنساه (﴿إلاّ ما شاء الله﴾)[الأعلى: ٦] أن ينسخه وهذا بشارة من الله لنبيّه أن يحفظ عليه الوحي حتى لا يتفلت منه شيء إلا ما شاء الله أن ينسخه فيذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته وسأل ابن كيسان النحوي جنيدًا عنه فقال: فلا تنسى العمل به فقال مثلك يصدّر، وقيل قوله فلا تنسى على النهي والألف مزيدة للفاصلة كقوله: السبيلا فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته. واختلف في نسيان القرآن فصرح النووي في الروضة بأن نسيانه أو شيء منه كبيرة لحديث أبي داود عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أرَ ذنبًا أعظم من سورة أو آية أُوتيها رجل ثم نسيها.
وأخرج أبو داود من طريق أبي العالية موقوفًا كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه واحتج الروياني لذلك بأن الإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره.
وبه قال:(حدّثنا ربيع بن يحيى) أبو الفضل الأشناني البصري قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة قال: (حدّثنا هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة ﵂) أنها (قالت: سمع النبي) ولأبي الوقت رسول الله (ﷺ رجلًا) اسمه عبد الله بن يزيد الأنصاري أي سمع صوت رجل حال كونه (يقرأ في المسجد قال)﵊:
(يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على تعيين الآيات المذكورة. اهـ.
ويجوز النسيان عليه ﷺ فيما ليس طريقه البلاع والتعليم وهذا الحديث من أفراده.
وبه قال:(حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) قال: (حدّثنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق (عن هشام) هو ابن عروة يعني عن أبيه عن عائشة بالمتن المذكور (وقال) زيادة عليه (أسقطتهنّ من سورة كذا) أي بالنسيان (تابعه) أي تابع محمد بن عبيد (علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة (وعبدة) بن سليمان بواو العطف على السابق وللكشميهني عن عبدة قال الحافظ ابن حجر وهو غلط لأن عبدة رفيق علي بن مسهر لا شيخه (عن هشام) أي ابن عروة.