يكونوا فقراء يغنهم الله من فضلهِ﴾ [النور: ٣٢]. والصالح هو صاحب الدين قاله في شرح المشكاة وفي الحديث كما قال النووي الحث على مصاحبة أهل الصلاح في كل شيء لأن من صاحبهم استفاد من أخلافهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم.
وحكى محيي السُّنَّة أن رجلًا قال للحسن: إن لي بنتًا أحبها وقد خطبها غير واحد فمن ترى أن أُزوّجها؟ قال: زوّجها رجلًا يتقي الله فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
وقال الغزالي في الإحياء: وليس أمره ﷺ بمراعاة الدين نهيًا عن مراعاة الجمال ولا أمرًا بالإضراب عنه وإنما هو نهي عن مراعاته مجردًا عن الدين فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون التفات إلى الدين ولا نظر إليه فوقع النهي عن هذا. قال: وأمر النبي ﷺ لمن يريد التزوج بالنظر إلى الخطوبة يدل على مراعاة الجمال إذ النظر لا يفيد معرفة الدين، وإنما يعرف به الجمال أو القبح، ومما يستحب في المرأة أيضًا أن تكون بالغة كما نص عليه الشافعي إلا لحاجة كان لا يعفه إلا غيرها أو مصلحة كتزوّجه ﷺ عائشة وأن تكون عاقلة. قال في المهمات: ويتجه أن يراد بالعقل هنا العقل العرفي وهو زيادة على مناط التكليف انتهى.
والمتجه أن يراد أعم من ذلك وأن تكون قرابة غير قريبة لقوله ﷺ لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويًا ذكره في الإحياء. وقوله: ضاويًا أي نحيفًا لضعف الشهوة. قال الزنجاني: ولأن من مقاصد النكاح اشتباك القبائل لأجل التعاضد واجتماع الكلمة وهو مفقود في نكاح القريبة. وتوقف السبكي في هذا الحكم لعدم صحة الحديث الدال عليه فقد قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلًا معتمدًا. قال السبكي: فلا ينبغي إثباته لعدم الدليل انتهى.
وقال الحافظ زين الدين العراقي: والحديث المذكور إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب قد أضويتم فانكحوا في الغرائب. وقال الشاعر:
تخيرتها للنسل وهي غريبة … فقد أنجبت والمنجبات الغرائب
وما ذكر في الروضة من أن القريبة أولى من الأجنبية هو مقتضى كلام جماعة، لكن ذكر صاحب البحر والبيان أن الشافعي نص على أنه يستحب أن لا يتزوج من عشيرته، ولا يشكل ما ذكر بتزوج النبي ﷺ زينب مع أنها بنت عمته لأنه تزوّجها بيانًا للجواز ولا بتزوّج عليّ فاطمة لأنها بعيدة في الجملة إذ هي بنت ابن عمه لا بنت عمه وأن لا تكون ذات ولد لغيره إلا لمصلحة كما تزوّج النبي ﷺ أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة وأن لا يكون لها مطلق يرغب في نكاحها وأن لا تكون شقراء فقد أمر الشافعي الربيع أن يرد الغلام الأشقر الذي اشتراه له وقال: ما لقيت من أشقر خيرًا.
وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا في النكاح وكذا أبو داود والنسائي.