(وقال) تعالى مخاطبًا للرجال: (﴿ولا تنكحوا﴾) أي أيها الأولياء مولياتكم (﴿المشركين حتى يؤمنوا﴾)[البقرة: ٢٢١](وقال)﷿: (﴿وأنكحوا الأيامى﴾) جمع أيم (﴿منكم﴾) ولم يخاطب النساء فلا تعقد امرأة نكاحًا لنفسها ولا لغيرها بولاية إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلًا، وفي حديث ابن ماجة المرفوع لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها. وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين، واستنبط المؤلّف الحكم من الآيات والأحاديث الآتية لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة ليس على شرطه، وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي موسى، فلو وطئ في نكاح بلا ولي بأن زوّجت نفسها ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لزمه مهر المثل دون المسمى لفساد النكاح، ولحديث الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثًا فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها الحديث ويسقط عنه الحدّ لشبهة اختلاف العلماء في صحته نعم يعزر معتقد تحريمه لارتكابه محرّمًا ولا حدّ فيه ولا كفّارة، وقال أبو حنيفة: لو زوجت نفسها وهي حرة عاقلة بالغة أو وكّلت غيرها أو توكّلت به جاز بلا ولي وكان أبو يوسف أوّلًا يقول: لا ينعقد إلا بولي إذا كان لها ولي ثم رجع وقال: إن كان الزوج كفؤًا لها جاز وإلا فلا.
ثم رجع وقال: جاز سواء كان الزوج كفؤًا لها أو لم يكن. وعند محمد ينعقد موقوفًا على إجازة الولي سواء كان الزوج كفوءًا لها أو لم يكن، ويروى رجوعه إلى قولهما. واستدلّ لذلك بقوله تعالى: ﴿فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن﴾ [البقرة: ٢٣٤] وقوله: ﴿فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن﴾ [البقرة: ١٣٢] وفوله: ﴿حتى تنكح زوجًا غيره﴾ [البقرة: ٢٣٠] فهذه الآيات تصرّح بأن النكاح ينعقد بعبارة النساء لأن النكاح المذكور منسوب إلى المرأة من قوله: أن ينكحن، وحتى تنكح. وهذا صريح بأن النكاح صادر منها، وكذا قوله: فيما فعلن، وأن يتراجعا صرّح بأنها هي التي تفعل وهي التي ترجع، ومن قال لا ينعقد بعبارة النساء فقد رد النص، وقوله ﷺ:"الأيم أحق بنفسها من وليها" متفق على صحته، واستدلالهم بالنهي عن العضل لا يستقيم لأنه نهي عن المنع عن مباشرتها العقد، فليس له أن يمنعها المباشرة بعد ما نهي عنه، وقد قال البخاري: لم يصح في باب النكاح حديث دل على اشتراط الولي في جوازه ولئن سلم يكون محمولًا على الأمة والصغيرة انتهى.