الثالث: أن يقصد استعماله في معناه الحقيقي ليفيد معنى الكرم للزومه له غالبًا وهذا هو الكناية، فالمعنى الحقيقي مراد والمعنى المجازي مراد بالدلالة عليه بالمعنى الحقيقي، فعلى هذا ينبغي حمل قولهم إنه تجتمع الكناية مع الحقيقة بخلاف المجاز ولا فرق بين أن يقول: يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز أو لا، لأن معنى الجمع بين الحقيقة والمجاز أن يريدهما بكلمة واحدة يستعملها فيهما والكناية لم يستعملها فيهما وإنما استعملها في أحدهما للدلالة على الآخر والتعريض قريب من الكناية يشتركان في إرادة الحقيقة وفي قصد إفادة معنى آخر ويفترقان في أن المفاد بالكناية على جهة اللزوم غالبًا والدلالة عليه قوية وفي التعريض بخلافه والله أعلم انتهى.
(قريب البيت من الناد) من مجلس القوم فإذا اشتوروا على أمر اعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره لشرفه في قومه أو وصفته بقرب البيت لطالب القرى، وبالجملة فقد وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة، والنادي بالياء على الأصل لكن المشهور في الرواية حذفها وبه يتم السجع، وفي قولها من البديع المناسبة والاستعارة والإرداف والتتبع وحسن التسجيع فناسبت ألفاظها وقابلت كلماتها بقولها رفيع العماد طويل النجاد فكل لفظة على وزن صاحبتها، وفيه الإرداف والتتبع في طويل النجاد فإن طول النجاد من توابع الطول ولوازمه وعظيم الرماد من توابع الكرم وروادفه وكذلك قريب البيت من الناد من التتبع البديع أيضًا إذ العادة أنه لا ينزل قرب النادي إلا المنتصب للضيفان فكان ردفًا لكرمه وجوده. وقولها طويل النجاد أبلغ وأكمل من قولها طويل، فلما عبرت عنه بما هو من توابعه بقولها طويل النجاد أبلغت في طوله وكأنها أظهرت طوله للسامع صورة ليراها مع ما في هذه الصيغة من طلاوة اللفظ مع الإيجاز إذ لو أرادت تحقيق طوله المحمود لطال كلامها وتحت هذه الألفاظ الوجيزة جمل كثيرة أعربت هذه الكنايات اللطيفة عنها، وأين هي في البلاغة من قولها لو قالت زوجي كريم كثير الضيفان أو كرم الناس فإن واحدًا من هذه الأوصاف على كثرة ألفاظها ومبالغة أوصافها لا ينتهي منتهى واحد من قولها عظيم الرماد. قال القاضي عياض: إذا لمحت كلام هذه وتأملته ألفيتها لأفانين البلاغة جامعة وبعلم البيان وبعض الإيجاز والقصد قارعة انتهى.
(قالت) المرأة (العاشرة) واسمها كبشة كاسم الخامسة بنت الأرقم بالراء والقاف تمدح زوجها: (زوجي مالك وما مالك): استفهامية للتعجب والتعظيم أي أيّ شيء هو مالك ما أعظمه وأكرمه (مالك خير من ذلك) بكسر الكاف زيادة في الإعظام وترفيع المكانة وتفسير لبعض الإبهام وإنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر (له) أي لزوجي (إبل كثيرات المبارك) بفتح الميم جمع مبرك وهو موضع البروك أي كثيرة ومباركها كذلك أو كثيرًا ما تُثار فتُحلب ثم تبرك فتكثر مباركها لذلك (قليلات المسارح) لاستعداده للضيفان بها لا يوجه منها إلى المرعى إلا قليلًا ويترك سائرها بفنائه فإن فاجأه ضيف وجد عنده ما يقريه به من لحومها وألبانها (وإذا سمعن) أي الإبل (صوت المزهر) عند ضربه به فرحًا بالضيفان عند قدومهم عليه (أيقنّ أنهنّ هوالك) لمعرفتهن بعقرهنّ للضيفان لما كثرت عادته بذلك، والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي