عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله فجلس النبي ﷺ وكان متكئًا فقال: وفي هذا أنت) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدّر بعدها. قال الكرماني: أي أنت في مقام استعظام التجملات الدنيوية واستعجالها (يا ابن الخطاب) وعند مسلم من رواية معمر أو في شك: أنت يا ابن الخطاب كرواية عقيل السابقة في المظالم أي أنت في شك أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا (وأن أولئك) فارس والروم (قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلت: يا رسول الله استغفر لي) عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها (فاعتزل النبي ﷺ نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعًا وعشرين ليلة) وذلك أنه ﷺ خلا بمارية القبطية في بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله تفعل هذا معي دون نسائك. فقال:"لا تخبري أحدًا هي عليّ حرام" فأخبرت عائشة أو السبب تحريم العسل السابق ذكره في سورة التحريم مختصرًا الآتي إن شاء الله تعالى بعون الله ﷿ بأبسط منه في الطلاق.
وعند ابن مردويه من طريق يزيد بن رومان عن عائشة أن حفصة أهديت لها عكّة فيها عسل وكان رسول الله ﷺ إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فانظري ما تصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقالت: إذا دخل عليكن فقلن إنّا نجد منك ريح مغافير فقال: "هو عسل والله لا أطعمه أبدًا" فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا فخرج ووجهه يقطر فعاتبته فقال: "أشهدك أنها عليّ حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك أمانة" فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله ﷺ قد حرم أمته، ففيه الجمع بين القولين.
وعند ابن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله ﷺ هدية فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها فزادها مرة أخرى فلم ترض فقالت عائشة: لقد أقمأت وجهك تردّ عليك الهدية فقال: "لأنتن أهون على الله من أن تقمئنني لا أدخل عليكن شهرًا" وفي مسلم من حديث جابر أن أبا بكر وعمر دخلا على رسول الله ﷺ وحوله نساؤه يسألن النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة وقام عمر إلى حفصة ثم اعتزلهن شهرًا فيحتمل أن يكون جميع ما ذكر كان سببًا لاعتزالهن.
(وكان)﵊(قال) في أول الشهر: (ما أنا بداخل عليهن شهرًا. من شدة موجدته) أي غضبه (عليهن حين عاتبه الله ﷿ بقوله: ﴿لِمَ تحرم ما أحلّ الله لك﴾ [التحريم: ١] (فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها) لكونه اتفق أنه كان يوم نوبتها (فقالت له عائشة: يا رسول الله إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدّها عدًّا فقال)ﷺ: (الشهر تسع وعشرون) زاد أبو ذر عن