الفتح: وكان ابن عيينة حدّث به مرتين فمرة ذكر فيها الأخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله ﷺ ومرة بالعنعنة فذكرها، وقد صرح جابر بوقوع ذلك على عهده ﷺ، وقد وردت عدّة طرق مصرّحة باطّلاعه على ذلك، وفي مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله ﷺ فبلغ ذلك نبي الله ﷺ فلم ينهنا، ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت قال: "قد أخبرتك".
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق البصري قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري وهو عم عبد الله السابق (عن مالك بن أنس) الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن ابن محيريز) بالحاء المهملة والراء والزاي مصغرًا عبد الله الجمحي (عن أبي سعيد الخدري)﵁ أنه (قال: أصبنا سبيًّا) أي جواري أخذناها من الكفار أُسراء في غزوة بني المصطلق، وفي رواية ربيعة في المغازي فسبينا كرائم العرب وطالت علينا الغربة (فكنا نعزل) عنهن كراهة مجيء الولد من الأمة أنفة أو خوف تعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد أو فرارًا من كثرة العيال إذا كان مقلاًّ فيرغب في قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب أو غير ذلك وزاد ربيعة فقلنا نفعل ذلك ورسول الله ﷺ بين أظهرنا لا نسأله (فسألنا رسول الله ﷺ فقال)﵊:
(أو أنكم) بفتح الهمزة والواو (لتفعلون) العزل المذكور (قالها ثلاثًا) وظاهره أنه ﵊ ما كان اطّلع على فعلهم ذلك. واستشكل مع قولهم أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهد النبي ﷺ، يكون مرفوعًا لأن الظاهر إطلاعه ﷺ. وأجيب: بأن دواعيهم ﵃ كانت متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا عملوا الشيء وعلموا أنه لم يطلع عليه بادروا إلى السؤال عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية قاله فى الفتح. (ما من نسمة) أي نفس (كائنة) أي قدّر كونها (إلى يوم القيامة إلا هي كائنة) سواء عزلتم أو لا فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله قدّر خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم الحرص، وقد خلق الله آدم من غير ذكر ولا أُنثى وخلق حوّاء من ضلع منه وعيسى من غير ذكر، وعند أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس أن رجلًا سأل عن العزل فقال النبي ﷺ:"لو أن الماء الذي أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدًا". وقول ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل مردود بما سبق من