النبي ﷺ بالنداء وعمّ بالخطاب لأنه ﷺ إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم: يا فلان افعلوا كذا إظهارًا لتقدمه فكأنه هو وحده في حكم كلهم وسادّ مسدّ جميعهم أو هو على إضمار قلّ، والتقدير يا أيها النبي قل لأمتك ومعنى إذا طلقتم النساء إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه (﴿فطلقوهن لعدتهن﴾) أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن في العدة واللام للتوقيت كقولك: أتيته لليلة بقيت من المحرم أي مستقبلًا لها، والمراد أن يطلق المدخول بهن من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعهن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق. وفي حديث ابن عمر عند مسلم قرأ رسول الله ﷺ: فطلقوهن في قبل عدتهن (﴿وأحصوا العدة﴾)[الطلاق: ١] واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن يقال: (أحصيناه) أي (حفظناه وعددناه) وهذا التفسير لأبي عبيدة، وأخرج الطبري معناه عن السدي والمراد الأمر أن يحفظ ابتداء وقت العدة لئلا يلتبس الأمر فتطول المدة فتتأذى بذلك المرأة، وخوطب الزوج بذلك لغفلة النساء ثم إن الطلاق يكون بدعيًّا وسنيًّا وواجبًا ومستحبًّا ومكروهًا.
فأما السني فأشار إليه البخاري بقوله:(وطلاق السُّنّة أن يطلقها) بعد الدخول بها حال كونها (طاهرًا من غير جماع) في ذلك الطهر ولا في حيض قبله وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة وهي تعتدّ بالأقراء وذلك لاستعقابه الشروع في العدّة (ويشهد شاهدين) لقوله ﷿: ﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ [الطلاق: ٢] وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن مردويه قال: كان نفر من المهاجرين يطلقون لغير عدّة ويراجعون بغير شهود فنزلت، وأما تسميته بالسني فقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: الطلاق السني المسنون وهو كالمندوب في استعقاب الثواب، والمراد به هنا المباح لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب، فمعنى المسنون منه ما يثبت على وجه لا يستوجب عتابًا. نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها عقب جماعها أو حائضًا فمنع نفسه إلى الطهر الآخر فإنه يُثاب لكن لا عن الطلاق في الطهر الخالي عن الحيض بل على كف نفسه عن ذلك الإيقاع على ذلك الوجه امتناعًا عن المعصية.
وأما البدعي؛ فطلاق مدخول بها بلا عوض منها في حيض أو نفاس أو في عدّة طلاق رجعي وهي تعتدّ بالإقراء وذلك لمخالفته قوله تعالى: ﴿فطلقوهن لعدّتهن﴾ وزمن الحيض والنفاس لا يحسب من العدّة والمعنى فيه تضررها بطول مدة التربص أو في طهر جامعها فيه أو استدخلت ماءه فيه ولو كان الجماع أو الاستدخال في حيض قبله؛ أو في الدبر إن لم يتبين حملها وكانت ممن يحبل لأدائه إلى الندم عند ظهور الحمل لأن الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد وألحقوا الجماع في الحيض بالجماع في الطهر لاحتمال العلوق فيه، والجماع في الدبر كالجماع في القُبل لثبوت النسب ووجوب العدّة به، وهذا الطلاق حرام للنهي عنه، وقال النووي: أجمع الأمة على تحريمه بغير رضا المرأة فإن طلقها أثم ووقع طلاقه.