بلغك أن القلم قد وضع (عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق) من جنونه (وعن الصبي حتى يدرك) الحلم (وعن النائم حتى يستيقظ) من نومه. ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرّح فيه بالرفع أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه، وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان عن علي مرفوعًا وموقوفًا ورجح الموقوف على المرفوع، وقد أخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور فشرطوا في المطلق ولو بالتعليق أن يكون مكلفًا فلا يصح من غيره.
(وقال علي)﵁ فيما وصله البغوي في الجعديات أيضًا (وكل الطلاق) ولأبي ذر وكل طلاق (جائز إلا طلاق المعتوه) بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الفوقية وبعد الواو هاء، وفيه حديث مرفوع عند الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" لكنه من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدًّا. والمعتوه كالمجنون في نقص العقل فمنه الطفل والمجنون والسكران، وقيل: المعتوه القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير فهو كالمجنون لكنه لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والعاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرًا، والمجنون ضدّه والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء، وهذا يؤدّي إلى أن لا يحكم على أحد بالعته، والقول بأنه القليل الفهم إلى آخره أولى، وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصد مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحيانًا، وقد علم أن التصرفات لا تنفذ إلا ممن له أهلية التصرف ومدارها العقل والبلوغ خصوصًا ما هو دائر بين الضرر والنفع خصوصًا ما لا يحل إلا لانتفاء مصلحة ضده القائم كالطلاق فإنه يستدعي تمام العقل ليحكم به التمييز في ذلك الأمر ولم يكفّ عقل الصبي العاقل لأنه لم يبلغ الاعتدال بخلاف ما هو حسن لذاته بحيث لا يقبل حسنه السقوط وهو الإيمان حتى صحّ من الصبي العاقل، ولو فرض لبعض الصبيان المراهقين عقل جيد لا يعتبر في التصرفات لأن المدار البلوغ لانضباطه فتعلق به الحكم، وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب أنه إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه، وعن ابن عمر جواز طلاق الصبي ومراده العاقل، ومثله عن الإمام أحمد والله أعلم بصحة هذه النقول قاله الشيخ كمال الدين بن الهمام -رحمه الله تعالى-.
وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة لا يجوز طلاق الصبي، وسبق في هذا الباب قول عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق وزيادة ابن عباس المستكره، وفي مسألة السكران خلاف عالٍ بين التابعين ومن بعدهم فقال بوقوعه من التابعين سعيد بن المسيب وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين ومجاهد، بل قال به من الصحابة عثمان وابن عباس كما مرّ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، في رواية مشهورة عنه والحنفية فيصح منه مع أنه غير مكلف تغليظًا عليه ولأن صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب كما قاله الغزالي في المستصفى، وأجاب عن قوله تعالى: ﴿لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى﴾ [النساء: ٤٣] الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران، لأن المراد به هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله وانتفاء تكليف السكران لانتفاء الفهم الذي هو شرط التكليف، والمراد بالسكران الذي يصح طلاقه ونكاحه ونحوهما مَن زال