للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذي بال". وكذلك في كل فعل ينبغي أن لا يقدّر فيه إلا فعل الابتداء، لأن الحض جاء عليه. وأيضًا فالبسملة غير مشروعة في غير الابتداء، فلما اختصت بالابتداء وجب أن يقدر لها فعل الابتداء.

وأجيب بأن تقدير الزمخشري أولى وأتم شمولاً لاقتضائه أن التسمية واقعة على القراءة كلها مصاحبة لها، وتقدير أبدأ يقتضي مصاحبتها لأوّل القراءة دون باقيها. وقوله إن الغرض أن تقع التسمية مبدأ نقول بموجبه، فإن ذلك يقع فعلاً بالبداءة لها لا بإضمار فعل الابتداء، ومن بدأ في الوضوء بغسل وجهه لا يحتاج في كونه بادئًا إلى إضمار بدأت، والحديث الذي ذكره لم يقل فيه كل أمر لا يقال فيه أبدأ وإنما أريد طلب إيقاعها بالفعل لا بإضمار فعلها، وأما دلالة الحديث على طلب البداءة فامتثال ذلك بنفس البداءة لا بلفظها. واختلف هل الاسم عين المسمى أو غيره، واستدل القائلون بالأوّل بنحو ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم﴾ [الواقعة: ٧٤، ٩٦] و [الحاقة: ٥٢] و ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١] فأمر بتسبيح اسم الله تعالى، والمسبح هو الباري، فاقتضى أن اسم الله تعالى هو هو لا غيره. وأجيب بأنه أشرب سبح معنى اذكر، فكأنه قال اذكر اسم ربك.

وتحقيق ذلك أن الذات هي المسمى والزائد عليها هو الاسم، فإذا قلت عالم فهناك أمران ذات وعلم، فالذات هو المسمى والعلم هو الاسم. فإذا فهم هذا فالأسماء منها ما هو عين المسمى ومنها ما هو غيره، ومنها ما يقال فيه لا عين ولا غير، فالقسم الأوّل مثل موجود وقديم وذات، فإن الموجود عين الذات وكذا القديم. والقسم الثاني مثل خالق ورازق وكل صفات الأفعال، فإن الفعل الذي هو الاسم غير الذات، والقسم الثالث مثل عالم وقادر وكل الصفات الذاتية، فإن الذات التي هي المسمى لا يقال في العلم الذي هو الاسم أنه غيرها ولا عينها.

هذا تحقيق ما قاله الأشعري في هذه المسألة وما نقل عنه خلاف هذا فهو خبط، كذا رأيته منسوبًا للعلاّمة البساطي من أئمة المالكية، ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد في باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها مزيد لذلك بعون الله تعالى، وليس مراد القائل بأن الاسم عين المسمى أن اللفظ الذي هو الصوت المكيّف بالحروف عين المعنى الذي وضع له اللفظ، إذ لا يقول به عاقل، وإنما مراده أنه قد يطلق اسم الشيء مرادًا به مسماه وهو الكثير الشائع، فإنك إذا قلت الله ربنا ونحو ذلك إنما تعني به الإخبار عن المعنى المدلول عليه باللفظ لا عن نفس اللفظ، وقد قال جماعة إن الاسم الأعظم هو اسم الجلالة الشريفة لأنه الأصل في الأسماء الحسنى لأن سائرها يضاف إليه والرحمن صفة الله تعالى، وعورض بوروده غير تابع لاسم قبله. قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن: ١، ٢] وأجيب بأنه وصف يراد به الثناء، وقيل عطف بيان. وردّه السهيلي بأن اسم الجلالة الشريفة غير مفتقر لبيان لأنه أعرف المعارف كلها، ولذا قالوا وما الرحمن ولم يقولوا وما الله، والرحيم فعيل حوّل من فاعل للمبالغة، والاسمان مشتقان من الرحمة ومعناهما واحد عند المحققين، إلا أن الرحمن مختص به تعالى فهو خاص اللفظ إذ لا يجوز أن يسمى به أحد غير الله تعالى عام المعنى من حيث إنه يشمل جميع الموجودات، والرحيم

<<  <  ج: ص:  >  >>