عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن كعب عن أبيه) كعب بن مالك الأنصاري (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(مثل المؤمن كالخامة) بالخاء المعجمة والميم المخففة الطاقة الغضة الطرية اللينة (من الزرع) والألف في الخامة منقلبة عن واو (تفيئها) تميلها (الريح مرة وتعدلها) بفتح الفوقية وسكون العين المهملة (مرة) ووجه التشبيه أن المؤمن من حيث إنه إن جاءه أمر الله انطاع له رضي به فإن جاءه خير فرح به وشكر وإن وقع به مكروه صبر ورجا فيه الأجر فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرًا قاله المهلب والناس في ذلك على أقسام منهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء، ومنهم من يرى أن هذا من تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يتعرض ومنهم من تشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وهذا أرفع من سابقه ومنهم من يتلذذ به وهذا أرفع الأقسام قاله أبو الفرج بن الجوزي. وقال الزمخشري في الفائق: قوله من الزرع صفة للخامة لأن التعريف في الخامة للجنس وتفيئها يجوز أن يكون صفة أخرى للخامة وأن يكون حالاً من الضمير المتحول إلى الجار والمجرور، وهذا التشبيه يجوز أن يكون تمثيليًّا فيتوهم للمشبه ما للمشبه به وأن يكون معقولاً بأن تؤخذ الزبدة من المجموع وفيه إشارة إلى أن المؤمن ينبغي له أن يرى نفسه في الدنيا عارية معزولة عن استيفاء اللذات والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات مخلوقة للآخرة لأنها جنته ودار خلوده (ومثل المنافق كالأرزة) بفتح الهمزة والزاي بينهما راء ساكنة نبات ليس في أرض العرب ولا ينبت في السباخ بل يطول طولاً شديدًا ويغلظ حتى لو أن عشرين نفسًا أمسك بعضهم بيد بعض لم يقدروا على أن يحضنوها وقيل هو ذكر الصنوبر وأنه لا يحمل شيئًا وإنما يستخرج من أغصانه الزفت ولا يحركه هبوب الريح (لا تزال حتى يكون انجعافها) بسكون النون وكسر الجيم وفتح العين المهملة بعد الألف فاء انقلاعها أو انكسارها من وسطها (مرة واحدة) ووجه التشبيه أن المنافق لا يتفقده الله باختباره بل يجعل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد حتى إذا أراد الله إهلاكه تصمه فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسه.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في الطب.
(وقال زكريا) بن أبي زائدة فيما وصله مسلم (حدّثني) بالإفراد (سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن كعب) عبد الله (عن أبيه كعب)﵁(عن النبي ﷺ). وفائدة هذا التصريح بالتحديث عن سعد وفي رواية سفيان الأولى تسمية ابن كعب المبهم في هذا التعليق لكن في مسلم عن سفيان تسميته عبد الرحمن بن كعب ولعل هذا هو السر في إبهامه في رواية زكريا قاله في الفتح.