الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال: أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضر الذي مسه وقال الطيبي لم يقل ارحم ضري ليعم ويشتمل ويشعر بالتعليل ولذلك استجيب له وروي عن أنس أخبر أيوب عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشكه وكيف يشكو من قيل له إنا وجدناه صابرًا نعم العبد، وقيل: إنما اشتكى إليه تلذذًا بالنجوى لا أنه تضرر بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب والشكاية منه غاية البعد.
وقد استشكل إيراد المؤلّف لهذه الآية هنا إذ إنها لا تناسب الترجمة لأن أيوب إنما قال ذلك داعيًا ولم يذكره للمخلوقين وأجيب: باحتمال أنه أشار إلى أن مطلق الشكوى لا تمنع ردًّا على من زعم أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا فنبه على أن الطلب منه تعالى ليس ممنوعًا بل زيادة عبادة لما ثبت مثل ذلك عن المعصوم وأثنى الله عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، فلعل مراد المؤلّف أن الذي يجوز من الشكوى ما كان على طريق الطلب من الله تعالى.
وبه قال (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله (وأيوب) السختياني كلاهما (عن مجاهد) المفسر (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة (عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء من أصحاب الشجرة (﵁) أنه (قال: مرّ بي النبي ﷺ وأنا أوقد تحت القدر) زاد في المغازي والقمل يتناثر على رأسي (فقال)ﷺ:
(أيؤذيك هوام رأسك)؟ بفتح الهاء والواو وبعد الألف ميم مشددة جمع هامة بتشديدها اسم للحشرات لأنها تهم أي تدب وإذا أضيفت إلى الرأس اختصت بالقمل فكأنه قال أيؤذيك قبل رأسك، (قلت: نعم) يا رسول الله يؤذيني (فدعا)ﷺ(الحلاق فحلقه) أي حلق شعر رأسي (ثم أمرني بالفداء) وفي الحج فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسِك بشاة، وفي باب النسك شاة من كتاب الحج فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم وليس إخباره بإيذائها له شكوى بل لبيان الواقع والاسترشاد لما فيه نفعه.