مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن عبد الله بن عمر ﵄ أنه قدم رجلان) قيل هما الزبرقان بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبالقاف وهو من أسماء القمر لقب به لحسنه واسم أبيه بدر بن امرئ القيس بن خلف، والآخر عمرو بن الأهيم واسم الأهيم سنان يجتمع مع الزبرقان في كعب بن سعد بن زيد مثناة بن تميم فهما تميميان قدما في وفد تميم على النبي ﷺ سنة تسع من الهجرة (من المشرق) أي من جهة المشرق وكان سكنى بني تميم من جهة العراق وهي في شرق المدينة (فخطبا) في دلائل النبوّة للبيهقي من طريق مقسم عن ابن عباس جلس إلى رسول الله ﷺ الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهيم وقيس بن عامر ففخر الزبرقان فقال: يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم وآخذ منهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهيم، فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أدنيه فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه من أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو: وأنا أحسدك والله يا رسول الله إنه لئيم الخال خبيث المال أحمق الوالد مضيّع في العشيرة والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الأخرى ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإن غضبت قلت أقبح ما وجدت (فعجب الناس) منهما (لبيانهما فقال رسول الله ﷺ):
(إن من البيان) الذي هو إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم وذكاء القلب وأصل البيان الكشف والظهور (لسحرًا - أو) قال ﵊: (إن بعض البيان - لسحر) شك من الراوي فمن للتبعيض كما صرح به. وقال في شرح السُّنَّة: اختلف في تأويله فحمله قوم على الذم لأنه ذم الكلام في التصنع والتكلف في تحسينه ليروق للسامعين وليستمل به قلوبهم كما يفعل السحر حيث يحول الشيء عن حقيقته ويصرفه عن جهته فيلوح للناظرين في غير معرض فكذلك المتكلم قد يحيل الشيء عن ظاهره ببيانه ويزيله عن موضعه بلسانه إرادة التلبيس على السامع أو إن من البيان ما يكسب صاحبه من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره أو هو الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وشاهده قوله ﷺ: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه" الحديث. وذهب آخرون إلى أن المراد منه مدح البيان والحث على تحسين الكلام وتحبير الألفاظ.
وروي عن عمر بن عبد العزيز ﵀ أن رجلاً طلب إليه حاجة كان يتعذر عليه إسعافه بها فاستمال قلبه بالكلام ثم أنجزها له ثم قال: هذا هو السحر الحلال والأحسن كما قال الخطابي: إن هذا الحديث ليس ذمًّا للبيان ولا مدحًا له لقوله من البيان فأتي بلفظ من التبعيضية وبالتصريح أيضًا به، وقد اتفق على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة.
وقال في شرح المشكاة: والحق أن الكلام إذا كان ذا وجهين يختلف بحسب المغزى والمقاصد