(من لا يرحم لا يُرحم) بفتح التحتية في الأوّل وضمها في الثاني والرفع والجزم في اللفظين فالرفع على الخبر. قال القاضي عياض: وعليه أكثر الرواة والجزم على أن من شرطية، لكن قال السهيلي: حمله على الخبر أشبه بسياق الكلام لأنه مردود على قول الرجل إن لي عشرة من الولد أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم، ولو جعلت من شرطية لانقطع الكلام عما قبله بعض الانقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف، ولأن الشرط إذا كان بعده فعل منفي فأكثر ما ورد منفيًا بلم لا بلا كقوله تعالى: ﴿ومن لم يؤمن بالله﴾ الفتح: ١٣] ﴿ومن لم يتب﴾ [الحجرات: ١١] وإن كان الآخر جائزًا كقول زهير.
ومن لا يظلم الناس يظلم اهـ.
وتعقبه صاحب المصابيح فقال: تعليله انقطاع الكلام عما قبله على تقدير كون من شرطية بأن الشرط وجوابه كلام مستأنف غير ظاهر، فإن الجملة مستأنفة سواء جعلت من موصولة أو شرطية وتقديره الذي يفعل هذا الفعل ويتأتى مثله على أن من شرطية أي من يفعل هذا الفعل فلا ينقطع الكلام ويصير مرتبطًا بما قبله ارتباطًا ظاهرًا.
والرحمة من الخلق التعطف والرقة، وهذا لا يجوز على الله تعالى ومن الله تعالى الرضا عمن رحمه لأن من رق له القلب فقد رضي عنه أو الإنعام أو إرادة الخير لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، والحاصل أن الأولى على الحقيقة والثانية على المجاز. وقوله: من لا يرحم يشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق والبهم والوحش والطير.
وفي الحديث أن تقبيل الولد وغيره من المحارم وغيرهم إنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم والمعانقة، والحديث من أفراده.
وبه قال:(حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة ﵂) أنها قالت: (جاء أعرابي إلى النبي ﷺ) قال الحافظ: يحتمل أن يكون هو الأقرع بن حابس ووقع مثل ذلك لعيينة بن حصن أخرجه أبو يعلى الموصلي بسند رجاله ثقات، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني بإسناده عن أبي هريرة أن قيس بن عاصم دخل على النبي-ﷺ وذكر قصة شبيهة بلفظ حديث عائشة ويحتمل التعدد. (فقال: تقبلون) بحذف أداة الاستفهام وللكشميهني أتقبلون (الصبيان فما نقبلهم) وعند مسلم فقال: نعم قال: لكنا ما نقبل (فقال النبي ﷺ):