للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكذب من صفات الأقوال. وأجيب: بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولاً أو فعلاً أو المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازًا (ولا تحسسوا) بالحاء المهملة (ولا تجسسوا) بالجيم وفي بعض النسخ وهو رواية أبي ذر بتقديم الجيم على الحاء وأصلهما بالتاءين الفوقيتين فحذف من كل منهما إحداهما تخفيفًا. قال الحربي فيما نقله عن السفاقسي: معناهما واحد وهو تطلب الإخبار فالثاني للتأكيد كما قاله ابن الأنباري، وقال الحافظ أبو ذر: بالحاء الطالب لنفسه وبالجيم لغيره، وقيل بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء استماع حديثهم، وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين أو الأذن، وقيل بالجيم الذي يعرف الخبر بتلطف ومنه الجاسوس وبالحاء الذي يطلب الشيء بحاسته كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية. نعم لو تعين التجسس طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك أو منع من زنا ونحوهما شرع كما لا يخفى (ولا تحاسدوا) بإسقاط إحدى التاءين والتحاسد هو أعم من أن يسعى في إزالة تلك النعمة عن مستحقها أم لا فإن سعى كان باغيًا وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب فيه فإن كان المانع عجزه بحيث لو تمكن فعل فآثم، وإن كان المانع التقوى فقد يعذر لأنه لا يملك دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدة نفسه عدم العمل والعزم عليه، وفي حديث إسماعيل بن أمية عند عبد الرزاق مرفوعًا: "ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد" قيل: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: "إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق ماذا حسدت فلا تبع" (ولا تدابروا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي لا تهاجروا فيولي كل واحد منكما دبره لصاحبه حين يراه لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره بخلاف من أحب (ولا تباغضوا) بحذف إحدى التاءين أي لا تتعاطوا أسباب البغض نعم إذا كان البغض لله ﷿ (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) باكتساب ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والنصيحة.

٦٠٦٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ».

[الحديث ٦٠٦٥ - طرفه في: ٦٠٧٦].

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدثني) بالإفراد (أنس بن مالك أن رسول الله قال):

(لا تباغضوا) حقيقته أن يقع بين اثنين وقد يكون من واحد وكذا ما بعده وهو قوله (ولا تحاسدوا ولا تدابروا) قيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر لأن المستأثر يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر، وقال إمام الأئمة مالك في موطئه: لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام يدبر عنه بوجهه (وكونوا عباد الله إخوانًا) قال في شرح المشكاة: إخوانًا يجوز أن يكون خبرًا بعد خبو وأن يكون بدلاً أو هو الخبر وقوله عباد الله منصوب على الاختصاص بالنداء وهذا الوجه

<<  <  ج: ص:  >  >>