(آية المنافق) والنفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان والنافقاء إحدى حجرة اليربوع فإذا أتي من قبل القاصعات وهو حجره الذي يقصع فيه أي يدخل ضرب النافقاء برأسه فانتفق أي خرج تقول نافق اليربوع أي أخذ في نافقائه، ومنه اشتقاق المنافق وهو الذي يدخل في الشرع في باب ويخرج من باب أيضًا يكتم الكفر ويظهر الإيمان كما أن اليربوع يكتم النافقاء ويظهر القاصعاء والآية العلامة أي علامة المنافق (ثلاث إذا حدث كذب) فأخبر عن الشيء على خلاف ما هو به (وإذا وعد أخلف) فلم يف بما وعد به (وإذا اؤتمن) أمانة (خان) فلم يؤدّها إلى أهلها. قال التوربشتي: من اجتمعت فيه هذه الخصال واستمرّت أحواله عليها فبالحري أن يسمى منافقًا، وأما المؤمن المفتون بها فإنه إن فعلها مرة تركها أخرى وإن أصر عليها زمانًا أقلع عنها زمانًا آخر وإن وجدت فيه خلة عدمت منه أخرى، وقال الخطابي: هذا القول إنما خرج على سبيل الإنذار للمرء المسلم والتحذير له أن يعتاد هذه الخصال فتفضي به إلى النفاق لا أنه منافق إن ندرت منه هذه الخصال أو فعل شيئًا منها من غير اعتياد.
وبه قال:(حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم قال: (حدّثنا أبو رجاء) بفتح الراء والجيم والهمز عمران العطاردي (عن سمرة بن جندب ﵁) أنه (قال: قال النبي ﷺ):
(رأيت) في المنام ملكين على صورة (رجلين) ولأبي ذر رأيت الليلة رجلين (أتياني قالا: الذي رأيته يشق شدقه) بضم أوله وفتح المعجمة. كذا أورده هنا مختصرًا ومطولاً في الجنائز فقال: رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي وأخرجاني إلى أرض مقدسة فإذا رجل قائم بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق الحديث. وفيه فقلت لهما: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت. قالا: نعم أما الذي رأيته يشق شدقه (فكذاب يكذب بالكذبة) بفتح الكاف وتكسر وسكون المعجمة (تحمل عنه) بضم الفوقية وفتح الميم (حتى تبلغ الآفاق) بمد الهمزة (فيصنع به) ما رأيت من شق شدقه (إلى يوم القيامة) لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد وإنما جعل عذابه في الفم لأنه موضع المعصية، وقوله فكذاب بالفاء. استشكل بأن الموصول الذي يدخل خبره الفاء يشترط أن يكون مبهمًا عامًّا. وأجاب ابن مالك بأنه نزل المعين المبهم منزلة العام إشارة إلى اشتراك من يتصف بذلك من العقاب المذكور.