وجمع بينهما بأنه جاء إليه مرة بنفسه وبعث إليه أخرى (فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري) أراد به ضعف بصره كما لمسلم أو عماه كما عند غيره، والأولى أن يكون أطلق العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة (وأنا أصلّي لقومي) أي لأجلهم يعني أنه كان يؤمّهم (فإذا كانت الأمطار) أي وجدت (سال) الماء في (الوادي الذي بيني وبينهم) فيحول بيني وبين الصلاة معهم لأني (لم أستطع أن آتي مسجدهم) ولابن عساكر المسجد (فأصلّي بهم) بالموحدة ونصب أصلي عطفًا على آتي، وللأصيلي فأصلّي لهم أي لأجلهم، (ووددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت (يا رسول الله أنك تأتيني فتصلّي) بالسكون أو بالنصب كما في الفرع جوابًا للتمنِّي (في بيتي
فاتخذه مصلّى) برفع فاتخذه على الاستئناف أو بالنصب أيضًا كما في الفرع عطفًا على الفعل المنصوب، كذا قرّره الزركشي وغيره، وتعقبه الدماميني فقال: إن ثبتت الرواية بالنصب فالفعل منصوب بأن مضمرة وإضمارها هنا جائز لا لازم، وأن والفعل بتقدير مصدر المسبوك من أنك تأتيني أي: وددت إتيانك فصلاتك فاتخاذي مكان صلاتك مصلّى، وهذا معطوف على المصدر المسبوك ليس في شيء من جواب التمني الذي يريدونه، وكيف ولو ظهرت أن هنا لم يمتنع وهناك يمتنع، ولو رفع تصلي وما بعده بالعطف على الفعل المرفوع المتقدّم وهو قولك: تأتيني لصحّ والمعنى بحاله انتهى.
(قال) الراوي (فقال له) أي لعتبان (رسول الله ﷺ سأفعل) ذلك (إن شاء الله) علقه بمشيئة الله تعالى لآية الكهف لا لمجرّد التبرّك لأن ذاك حيث كان الشيء مجزومًا به قاله البرماوي كالكرماني، وجوز العيني كابن حجر كونه للتبرّك لأن اطّلاعه ﷺ بالوحي على الجزم، بأن ذلك سيقع غير مستبعد، (قال عتبان) يحتمل أن يكون محمود أعاد اسم شيخه اهتمامًا بذلك لطول الحديث، (فغدا رسول الله) ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي: فغدا عليّ رسول الله (ﷺ وأبو بكر) الصديق ﵁ زاد الإسماعيلي بالغد، وللطبراني أن السؤال كان يوم الجمعة والمجيء إليه يوم السبت (حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله ﷺ) في الدخول (فأذنت له) وفي رواية الأوزاعي: فاستأذنا فأذنت لهما أي للنبي-ﷺ-وأبي بكر، وفي رواية أبي أُويس ومعه أبو بكر وعمر، ولمسلم من طريق أنس عن عتبان فأتاني ومَن شاء الله من أصحابه وجمع بأنه كان عند ابتداء التوجّه هو وأبو بكر، ثم عند الدخول اجتمع عمر وغيره فدخلوا معه ﵊، (فلم يجلس)﵊(حين دخل البيت) وللكشميهني حتى دخل أي لم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه، (ثم قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك) وللكشميهني في بيتك (قال) عتبان: (فأشرت له)﵊(إلى ناحية من البيت) يصلّي فيها (فقام رسول الله ﷺ فكبر فقمنا فصففنا) بالفك للأربعة، ونا فاعل، ولغيرهم: فصفنا بالإدغام، ونا مفعول (فصلّى)﵊(ركعتين ثم سلّم) من الصلاة. واستنبط منه مشروعية صلاة النافلة في جماعة بالنهار (قال) عتبان: (وحبسناه) أي منعناه بعد الصلاة عن الرجوع (على خزيرة صنعناها له) بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون المثناة التحتية وفتح الراء آخرها تأنيث لحم يقطع صغارًا