فى نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها، وبين لعنه ﵊ من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما ذكر من الفرق.
وفي هذا الحديث الاقتصار على لعن اليهود. فيكون قوله: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد واضحًا، فإن النصارى لا يزعمون نبوّة عيسى، بل يدّعون فيه أنه ابن أو إله أو غير ذلك على اختلاف مِللهم الباطلة، ولا يزعمون موته حتى يكون له قبر، وأما من قال منهم: أنه قتل فله في ذلك كلام مشهور في موضعه، فتشكل حينئذ الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في الباب التالي لباب الصلاة في البيعة، وفي أواخر المغازي بلفظ: لعن الله اليهود والنصارى، وتعقيبه بقوله: اتخذوا، ويأتي الجواب عن ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
(وما يكره من الصلاة في القبور) سواء كانت عليها أو إليها أو بينها. فإن قلت: كيف عطف هذه الجملة الخبرية على جملة الاستفهام الطلبية؟ أجيب بأن جملة الاستفهام التقريري في حكم الخبرية.
(ورأى عمر) أن ابن الخطاب ﵁ كما في رواية الأصيلي (أنس بن مالك)﵁(يصلّي عند قبر فقال: القبر القبر) بالنصب فيهما على التحذير محذوف العامل وجوبًا أي اتّق أو اجتنب القبر، (ولم يأمره بالإعادة) أي لم يأمر عمر أنسًا بإعادة صلاته تلك، فدلّ على الجواز لكن مع الكراهة لكونه صلّى على نجاسة، ولو كان بينهما حائل، وهذا مذهب الشافعية أولاً كراهة لكونه صلّى مع الفرش على النجاسة مطلقًا كما قاله القاضي حسين، وقال ابن الرفعة: الذي دلّ عليه كلام القاضي أن الكراهة لحرمة الميت أما لو وقف بين القبور بحيث لا يكون تحته ميت ولا نجاسة فلا كراهة إلاّ في المنبوشة فلا تصح الصلاة فيها. قال في التوشيح: ويستثنى مقبرة الأنبياء فلا كراهة فيها لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأنهم أحياء في قبورهم يصلّون، ولا يشكل بحديث:(لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) لأن اتخاذها مساجد أخص من مجرد الصلاة فيها، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم، قال في التحقيق: ويحرم أن يصلّي متوجهًا إلى قبره ﵊، ويكره إلى غيره مستقبل آدميّ لأنه يشغل القلب غالبًا، ويقاس بما ذكر فى قبره ﷺ سائر قبور الأنبياء ﷺ، ولم يرَ مالك بالصلاة في المقبرة بأسًا، وذهب أبو حنيفة إلى الكراهة مطلقًا، وقال في تنقيح المقنع: ولا تصحّ الصلاة تعبدًا في مقبرة غير صلاة الجنازة ولا يضرّ قبران ولا ما دفن بداره.