والذكر عليه فليس جوفه بممتلئ من الشعر. نعم أخرج أبو يعلى الموصلي عن جابر مرفوعًا "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا أو دمًا خير له من أن يمتلئ شعرًا هجيت به" وفي سنده راوٍ لم يعرف، وأخرجه الطحاوي وابن عدي من رواية الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث الباب. قال: فقالت عائشة لم يحفظ إنما قال: أن يمتلئ شعرًا هجيت به. قال في الفتح: وابن الكلبي واهي الحديث وشيخه أبو صالح ليس هو السمان المتفق على تخريجه في الصحيح عن أبي هريرة بل هو آخر ضعيف يقال له باذان فلم تثبت هذه الزيادة. وقال السهيلي: إن قلنا بما قالته عائشة من تخصيص النهي بمن يمتلئ جوفه من شعر هجي به ﷺ فليس في الحديث إلا عيب امتلاء الجوف منه فلا يدخل في النهي رواية اليسير على سبيل الحكاية ولا الاستشهاد به في اللغة، وحينئذٍ فلا يكفر قائله ولا فرق بينه وبين الكلام الذي ذموا به النبي ﷺ.
وبه قال:(حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة ﵁) أنه (قال: قال رسول الله ﷺ):
(لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا يريه) ظاهره كما في بهجة النفوس أن المراد الجوف كله وما فيه من القلب وغيره، أو المراد القلب خاصة وهو الأظهر لأن أهل الطب يزعمون أن القيح إذا وصل إلى القلب شيء منه وإن كان يسيرًا فإن صاحبه يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف من الكبد والرئة. وعند الطحاوي والطبراني من حديث عوف بن مالك: لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته قيحًا يتخضخض خير له من أن يمتلئ شعرًا وسنده حسن، ويريه بفتح التحتية وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يريه بزيادة حتى، ونسبها بعضهم للأصيلي فعلى حذف حتى مرفوع وعلى ثبوتها بالنصب. وذكر ابن الجوزي أن جماعة من المبتدئين يقرؤونها بالنصب مع إسقاط حتى جريًا على المألوف وهو غلط إذ ليس هنا ما ينصب، وقال الزركشي: رواه الأصيلي بالنصب على بدل الفعل من الفعل وأجرى إعراب يمتلئ على يريه ومعناه كما في الصحاح يأكله، وقيل معناه أن القيح يأكل جوفه، وقيل يصيب رئته. وتعقب بأن الرئة مهموزة العين. وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الأصل مهموزًا أن لا يستعمل مسهلاً قال: في الفتح: ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم لهذا الحديث سبب ولفظه: بينما نحن نسير مع رسول الله ﷺ بالعرج إذ عرض لنا شاعر ينشد فقال: أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا (خير من) ولأبي ذر عن الكشميهني له من (أن يمتلئ شعرًا) وهذا الزجر إنما هو لمن أقبل على الشعر وتشاغل له عن تلاوة القرآن والذكر والعبادة وألحق أبو عبد الله بن أبي جمرة بامتلاء