هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يتناجى اثنان دون الثالث) إلا بإذنه وسقط باب لأبي ذر (وقوله تعالى) ولأبي ذر وقال ﷿: (﴿يا أيها الذين آمنوا﴾) بألسنتهم وهو خطاب للمنافقين والظاهر أنه خطاب للمؤمنين (﴿إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول﴾) أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر وهو من التجوز بلفظ المراد عن الإرادة المعنى إذا أردتم التناجي ومنه ﴿إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون﴾ [آل عمران: ٤٧] أي إذا أراد قضاء أمر، ومنه ﴿وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط﴾ [المائدة: ٤٢] معناه وإن أردت الحكم فاحكم بينهم بالقسط وفيه مجاز من وجهين أحدهما التعبير بالحكم عن الإِرادة والثاني التعبير بالماضي عن المستقبل (﴿وتناجوا بالبر﴾) بأداء الفرائض والطاعات (﴿والتقوى﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾)[المجادلة: ٩ - ١٠] أي يكلون أمرهم إلى الله ويستعيذون به من الشيطان وسقط لأبي ذر قوله: (﴿بالإثم والعدوان﴾ إلى ﴿فليتوكل﴾.
(وقوله) تعالى: (﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول﴾) أي إذا أردتم مناجاته (﴿فقدموا بين يدي نجواكم صدقة﴾) أي قبل نجواكم وهي استعارة ممن له يدان كقول عمر ﵁: من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم قبل حاجته (﴿ذلك﴾) التقديم (﴿خير لكم﴾) في دينكم (﴿وأطهر﴾) لأن الصدقة طهرة (﴿فإن لم تجدوا﴾) ما تتصدقون به (﴿فإن الله غفور رحيم﴾) في ترخيص المناجاة من غير صدقة. وقد نسخ وجوب ذلك عنهم وقيل إنه لم يعمل بها قبل نسخها إلا علي بن أبي طالب ﵁. وقال معمر عن قتادة: ما كانت إلا ساعة من نهار، وعن ابن عباس لما أكثر المسلمون المسائل على رسول الله ﷺ حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه فقال لهم: ﴿إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة﴾ [المجادلة: ١٢] فضنّ كثير من الناس وكفوا عن المسائلة فأنزل الله تعالى ﴿أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ [المجادلة: ١٣] فوسع الله عليهم ولم يضيق (إلى قوله: ﴿والله خبير بما تعملون﴾)[المجادلة: ١٢ - ١٣] ولأبي ذر ﴿فقدموا بين يدي نجواكم صدقة﴾ إلى قوله: ﴿بما تعملون﴾ وأشار بالآيتين الأوليين إلى أن التناجي الجائز مقيد بأن لا يكون في الإِثم والعدوان.