للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يؤنث لأن مفعالاً يستوي فيه المذكر والمؤنث فتقول: رجل مخدام ومطراب وامرأة مطراب ومخدام وأن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي إرسالاً مدرارًا، وجزم يرسل جوابًا للأمر ومعنى مدرارًا ذا غيث كثير (﴿ويمددكم بأموال وبنين﴾) يزدكم أموالاً وبنين (﴿ويجعل لكم جنات﴾) بساتين (﴿ويجعل لكم أنهارًا﴾) [نوح: ١٠ - ١٢] جارية لمزارعكم وبساتينكم قال مقاتل: لما كذبوا نوحًا زمانًا طويلاً حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت مواشيهم وزروعهم فساروا إلى نوح واستغاثوا به فقال: ﴿استغفروا ربكم إنه كان غفارًا﴾ [نوح: ١٠]. وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والمطر. قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت. فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ: ﴿استغفروا ربكم إنه كان غفارًا﴾ إلى آخر ذلك، وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال: استغفر الله وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا فقال له استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بساتينه فقال له: استغفر الله فقلنا له في ذلك فقال: ما قلت من عندي شيئًا إن الله تعالى يقول في سورة نوح: ﴿استغفروا ربكم﴾ إلى آخر ذلك. وسياق الآية إلى آخر قوله: ﴿أنهارًا﴾ لغير رواية أبي ذر وله إلى قوله: ﴿غفارًا﴾ ثم قال: الآية.

(﴿والذين إذا فعلوا فاحشة﴾) فعلة متزايدة القبح خارجة عما أذن الله فيه أو الفاحشة الزنا (﴿أو ظلموا أنفسهم﴾) باكتساب أيّ ذنب كان مما يؤاخذ الإنسان به أو الفاحشة الكبيرة وظلم النفس هي الصغيرة كالقبلة واللمسة والنظرة، وقيل فعلوا فاحشة فعلاً أو ظلموا أنفسهم قولاً (﴿ذكروا الله﴾) بلسانهم أو بقلوبهم ليبعثهم على التوبة أو ذكروا وعبد الله أو عقابه فهو من باب حذف المضاف أو ذكروا العرض الأكبر على الله (﴿فاستغفروا لذنوبهم﴾) فتابوا عنها لقبحها نادمين على فعلها، وهذا حقيقة التوبة فأما الاستغفار باللسان فلا أثر له في إزالة الذنب، وقوله لذنوبهم أي لأجل ذنوبهم: (﴿ومن يغفر الذنوب إلا الله﴾) من مبتدأ ويغفر خبره وفيه ضمير يعود إلى من وإلاّ الله بدل من الضمير في يغفر والاستفهام بمعنى النفي، والتقدير ولا أحد يغفر الذنوب إلا الله وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته من التائب وإشعار بأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم، وفي إسناده غفران الذنوب إلى نفسه المقدسة سبحانه وإثباته لذاته المقدسة بعد وجود الاستغفار وتنصل عبيده دلالة على وجوب ذلك قطعًا بحسب الوعد الذي لا خلف له (﴿ولم يصروا على ما فعلوا﴾) جملة حالية من فاعل استغفروا أي استغفروا غير مصرين أو الجملة منسوقة على فاستغفروا أي: ترتب على فعلهم الفاحشة ذكر الله تعالى والاستغفار لذنوبهم وعم الإِصرار عليها، وتكون الجملة من قوله: (﴿ومن يغفر الذنوب إلا الله﴾) على هذين الوجهين معترضة بين المتعاطفين على الوجه الثاني وبين الحال وذي الحال على الأول والمعنى ولم يقيموا على قبيح فعلهم (﴿وهم يعلمون﴾) [آل عمران: ١٣٥] حال من فاعل استغفروا أو من فاعل يصروا أي ولم يصروا على ما فعلوا من

<<  <  ج: ص:  >  >>