محذوف تقدير كمثل لا شيء وفي حديث المستورد المروي في مسلم مرفوعًا: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع. قال الطيبي: أي مثل الدنيا في جنب الآخرة وهو تمثيل على سبيل التقريب وإلاّ فأين المناسبة بين المتناهي وغير المتناهي؟
(وقوله تعالى: ﴿إنما الحياة الدنيا لعب﴾) كعب الصبيان (﴿ولهو﴾) كلهو القيان (﴿وزينة﴾) كزينة النسوان (﴿وتفاخر بينكم﴾) كتفاخر الأقران (﴿وتكاثر﴾) كتكاثر الرهبان (﴿في الأموال والأولاد﴾) أي مباهاة بهما التكاثر ادّعاء الاستكثار (﴿كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرًّا) بعد خضرته (﴿ثم يكون حطامًا﴾) متفتتًا شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوي وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات فبعث عليه العاهة فهاج واصفرّ وصار حطامًا عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بالصحابي الجنة وصاحب الجنتين، وقيل الكفار الزراع. وقال العماد بن كثير: أي أعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها ثم يهيج فتراه مصفرًّا ثم يكون حطامًا أي يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرًّا بعدما كان أخضر نضرًا ثم يصير يبسًا متحطمًا هكذا الحياة الدنيا تكون أولاً شابّة ثم تكتهل ثم تكون عجوزًا شوهاء، والإِنسان كذلك يكون في أول عمره وعنوان شبابه غضًّا طريًّا لين الأعطاف بهيّ المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه ويفقد بعض قواه ثم يكبر فيصير شيخًا كبيرًا ضعيف القوى قليل الحركة يعجز عن المشي اليسير ولما كان هذا المثل دالاًّ على زوال الدنيا وانقضانها والآخرة كائنة لا محالة حذّر من أمرها ورغّب فيما فيها من الخيرات فقال:(﴿وفي الآخرة عذاب شديد﴾) للكفار (﴿ومغفرة من الله ورضوان﴾) للمؤمنين (﴿وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾)[الحديد: ٢٠] لمن ركن إليها واعتمد عليها قال ذو النون المصري: يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فإن الزاد منها والمقيل في غيرها وسقط من قوله وزينة الخ في رواية أبي ذر وقال عقب قوله ﴿ولهو﴾ إلى قوله ﴿متاع الغرور﴾.
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) بفتح السين ابن سعد الساعدي ﵁ أنه (قال: سمعت النبي ﷺ يقول):
(موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولغدوة) بلام التأكيد (في سبيل الله) شامل للجهاد وغيره (أو روحة) للتنويع لا للشك (خير من الدنيا وما فيها).