(أدومها وإن قلّ). فإن قلت: المسؤول عنه أحب الأعمال وظاهره السؤال عن ذات العمل والجواب ورد بأدوم وهو صفة العمل فلم يتطابقا. أجيب: باحتمال أن يكون هذا السؤال وقع بعد قوله في الحديث السابق في الصلاة والحج وفي بر الوالدين حيث أجاب بالصلاة ثم بالبر الخ، ثم ختم ذلك بأن المداومة على عمل من أعمال البر ولو كان مفضولاً أحب إلى الله من عمل يكون أعظم أجرًا لكن ليس فيه مداومة قاله في الفتح.
(وقال)﵊ بالسند السابق (اكلفوا) بهمزة وصل وفتح اللام في الفرع وتضم (من الأعمال) كالصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ولأبي ذر عن المستملي من العمل (ما تطيقون) ما مصدرية أي قدر طاقتكم أو موصولة أي الذي تطيقونه أي ابلغوا بالعمل غايته التي تطيقونها مع الدوام من غير عجز في المستقبل، ولا ريب أن المديم للعمل ملازم للخدمة فيكثر ترداده إلى باب الطاعة في كل وقت فيجازى بالبر لكثرة تردده فليس هو كمن لازم الخدمة مثلاً ثم انقطع، وأيضًا فإن العامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء.
وبه قال:(حدثني) بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن) خاله (علقمة) بن قيس أنه (قال: سألت أم المؤمنين عائشة)﵂(قلت) ولأبي ذر فقلت (يا أم المؤمنين كيف كان عمل النبي ﷺ هل كان يخص شيئًا من الأيام) بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره (قالت: لا) وهذا لا يعارضه قولها إن أكثر صيامه كان في شعبان لأنه كان يوعك كثيرًا ويكثر السفر فيفطر بعض الأيام التي كان يصومها ولا يتمكن من قضاء ذلك إلا في شعبان فصيامه فيه بحسب الصورة أكثر من صيامه في غيره (كان عمله)﵊(ديمة) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية أي دائمًا والديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق ثم استعمل في غيره وأصلها الواو لأنها من الدوام فانقلبت لسكونها وانكسار ما قبلها ياء. وقال في المصابيح: كان عمله ديمة فلا جرم أن سحائب نفعه على الخلق مستمرة بالانصباب بالرحمة عليهم مخصبة لأرض قلوبهم بربيع محبته جزاه الله أحسن ما جزى نبيًّا عن أمته وقد شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر (وأيكم يستطيع) في العبادة (ما كان النبي ﷺ يستطيع) من الهيئة أو الكيفية من الخشوع والخضوع والإخبات والإخلاص.