ذلك ويخلق له علمًا يدرك به ذلك، ويدل للأوّل حديث أبي عمران الجوني عند ابن أبي الدنيا قال: ينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول: يا رب إنه لم يعمله فيقول إنه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالحسنة رائحة طيبة والسيئة رائحة خبيثة (فإن هو همّ بها) بالحسنة وسقط لفظ هو لأبي ذر (فعملها) بكسر الميم ولأبي ذر وعملها بالواو بدل الفاء (كتبها الله) قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها الله) للذي عملها (عنده) تعالى اعتناء بصاحبها وتشريفًا له (عشر حسنات) قال تعالى: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ [الأنعام: ١٦٠] وهذا أقل ما وعد به من الأضعاف (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد مثل (إلى أضعاف كثيرة) بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع قال في الكشاف: ومضاعفة الحسنات فضل ومكافأة السيئات عدل، ونقل صاحب فتوح الغيب عن الزجاج أنه قال: المعنى غامض لأن المجازاة من الله تعالى على الحسنة بدخول الجنة شيء لا يبلغ وصف مقداره فإذا قال: عشر أمثالها أو سبعمائة أو أضعافًا كثيرة فمعناه أن جزاء الله تعالى على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير وفي النفوس. قال الطيبي: فعلى هذا لا يتصوّر في الحسنات إلا الفضل (ومن همّ بسيئة فلم يعملها) بفتح الميم خوفًا من الله تعالى كما في حديث أبي هريرة من طريق الأعرج الآتي إن شاء الله تعالى في التوحيد (كتبها الله)﷿ قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها (له) للذي هم بها (عنده حسنة كاملة) غير ناقصة ولا مضاعفة إلى العشر.
وحديث ابن عباس هذا مطلق قيد بحديث أبي هريرة أو يقال حسنة من ترك بغير استحضار الخوف دون حسنة الآخر، أو يحمل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه لأن الإنسان لا يسمى تاركًا إلا مع القدرة، فإن حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع فلا. وذهب القاضي الباقلاني وغيره إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمرّ بالقلب ولا يستقر. قال الماوردي: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ونقل ذلك عن نص الشافعي ويدل له حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن الظاهر أن المراد العمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم بها وتعقبه القاضي عياض بأن عامة السلف على ما قاله ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجرّدة لا السيئة التي هم أن يعملها كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله تعالى: ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم﴾ [النور: ١٩].
والحاصل أن كثيرًا من العلماء على المؤاخذة بالعزم المصمم، وافترق هؤلاء فمنهم من قال يعاقب عليه في الدنيا بنحو الهم والغم، ومنهم من قال: يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعقاب واستثنى قوم ممن قال: بعدم المؤاخذة على الهم بالمعصية ما وقع بحرم مكة ولو لم يصمم لقوله تعالى ﴿ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم﴾ [الحج: ٢٥] لأن الحرم يجب اعتقاد